أهمية صلاة الاستسقاء في الإسلام والاستغاثة المشروعة
أهمية صلاة الاستسقاء في الإسلام والاستغاثة المشروعة
Maison d'édition
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Numéro d'édition
السنة السادسة-العدد الرابع-ربيع ثاني ١٣٩٤هـ
Année de publication
ابريل ١٩٧٤م
Genres
أهمية صلاة الاستسقاء في الإسلام والاستغاثة المشروعة
للطالب محمد عزيزو المغربي الطالب بالمعهد الثانوي بالجامعة
لقد أعلن جلالة الملك فيصل حفظه الله وأطال عمره لخدمة الإسلام والمسلمين، عن إقامة صلاة الاستسقاء في أنحاء المملكة نظرًا لتأخر نزول المطر، وسمع الناس النداء الملكي عن طريق الإذاعة والتلفزيون وفي المساجد، وعُيّن اليوم المشهود لذلك. ولكن مع كامل الأسف والحسرة تخلف الكثير من المسلمين وكأن الأمر لا يعنيهم. ففُتحت المتاجر وعُرضت السلع والبضائع أمام مرأى المارين الممتثلين الأمر والقاصدين المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. هذا المسجد العظيم الذي لم يمتلئ يوْمَها. وكان ينبغي أن يعمره المسلمون فيضيق بهم. وما ذلك التخلف إلا لجهلهم بحكمة وشدة حاجة الملة إلى هذه الشعيرة التعبدية العظيمة.
والاستسقاء هو طلب السقي أو الماء أو الغيث كما سماه الله تعالى في كثير من آيات كتابه العزيز. ولا يُطلب الغيث إلا من المغيث ﷾ الذي يقدر وحده على إنزاله. وليس إنزال المطر مجرّد بُخار البحر تحت تأثير حرّ الشمس كما تدعيه عقولٌ مؤمنةٌ بالطبيعة إيمانًا أعمى وكافرةٌ وجاحدةٌ لوجود الله، خالق الكون كله ورب العالمين. ثم هذه الطبيعة من خلقها وأوجدها؟ وهل تسمع وتبصر وتعطي وتمنع أم هي صمّاء وعمياء عاجزة لا تقدر؟ ولماذا لم تخلق البشر على صورة واحدة وطبع واحد؟ أأخطأت التقدير أم أساءت التدبير؟ أين عقولكم يا قوم؟
1 / 132
جاء عن رسول الله ﷺ أنه قال: "مفاتيح الغيب خمس ثم قرأ قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ ".
هذا الحديث انفرد به البخاري عن مسلم.
ويقول الله ﷿: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ . فسمى الله الغيث رحمة إذ تهتز به الأرض وتربو وتنبت من كل زوج بهيج فتسر الناظرين بعد أن لكانت يابسة ميْتة فينتفع بها الناس والحيوان. والله تعالى ينزل الغيث لحكمة ويؤخره أو يمنعه لأخرى، في الوقت الذي يشاء فيصيب به جهة دون جهة وقوما دون آخرين. ويسلّطه عقابًا أليمًا على عباد له عصَوْه وفسقوا عن أمره: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾
ولا يهمني في عرض هذا الحديث ذكر صفة هذه الصلاة لأن كتب الحديث والفقه هي المرجع الوحيد، بقدر ما يهمني جوهرها. وأعني بالجوهر هو الدعاء والتضرع المشروع فيها، والإنابة والتوبة المرجُوّة منها، والاستقامة على أمر الله ليحصل المقصود منها. أجل إن الدعاء هو العبادة ولُبها. فإن مظهر هذه الصلاة بما فيه من خطبة ووقوف وتحويل للأردية ورفع للأيدي مع الضراعة إلى الله غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول، بقلوب منيبة معترفة بالخطأ والتقصير نحو الله جلّ وعلا، نادمة وعازمة على الإقلاع عن المعاصي والمخالفات التي تغضب رب الكائنات - إذ الغضب صفة من صفاته - مع عدم الرجوع إلى المنهيات؛ وبذلك تَتِمُ شروط توبتها إلى بارئها. هذا المظهر بمافيه من رفع الأيدي السائلة، والعيون الدامعة الذارفة، والأصوات الخافتة، لَهُوَ صورة حية ناطقة وشاهدة على إعلان العباد الافتقار إلى رحمة الله والاحتياج إلى مغفرة الله. وربنا يحب - إذ المحبة صفة أخرى من صفاته التي تليق بجلاله وعظيم سلطانه - أن يرى عبده متذللًا خاضعًا، ومنكسر القلب حياء من الرب. ومتى كان العباد صادقين في الطلب وإخلاص الدعاء له، استجاب لهم ربهم
1 / 133
ومالكهم وهذا عام في كل العبادات. مِصْداق هذا قوله تعالى على لسان عبده ورسوله نوح ﵇ ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا﴾ . الآية.. . وقوله تعالى: ﴿وإذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ . وكان السلف الصالح - ﵃ - لا يبرحون مصلاهم حتى تنالهم رحمة الله ويُسقون. وما ذلك الفضل إلاّ لإخلاصهم الدعاء لله تعالى. وإذا أردنا أن نقارن أنفسنا بهم وبمن بعدهم فلا وجه للمقارنة بيننا وبينهم. كم سنزن بجانبهم؟ إذا حاولنا ذاك استصغرنا أنفسنا واحتقرناها وضِعْناَ. فلنستغفر ربنا ولنتب إليه ولنستقم على دينه وشريعته إننا عندما نصلي صلاة الاستسقاء في المساجد وغيرها، إحياء لهذه السنة الكريمة، تمضي الشهور ولا نرى قطرة من الماء تنزل من السماء، بل قد ينقشع السحاب الذي جلل وغطى السماء ونتوقع منه المطر والسقي إذا أذن له خالقه. وليس هناك فرق بين زماننا وزمان الصدر الأول بالنسبة للمظاهر الكونية بل إن الثابت والمشاهد أن الله تعالى بسط علينا من نعمه ما لم يبسطه عليهم مع تميزهم علينا بتقوى الله وطاعته بالتزام كتابه وسنة رسوله ﷺ، في حين أننا قد هجرنا تحكيم الكتاب والسنة ونبذناهما وراء ظهرنا.
فاللهم ردنا إلى دينك ردًا جميلًا.
وبالمناسبة أشرح بإيجاز حديث عمر بن الخطاب ﵁ في الاستسقاء بالعباس بن عبد المطلب، عم الرسول ﷺ تسليمًا كثيرًا؛ لأن كثيرا ممن ينتسب إلى العلم، وكل العوام الذين ما حققوا توحيد الله بأنواعه، واتباع رسوله ﷺ علمًا ومعرفة فأحرى تطبيقًا - يغلطون ويغالطون أنفسهم وغيرهم ويحتجون بهذا الحديث - وبحديث الأعمى الذي جاء يطلب من النبي ﷺ أن يدعو الله له ليرد عليه بصره ١ - يحتجون به في جواز التوسل بالرسول ﷺ أي بذاته. والحقيقة
_________
١ راجع الحديث في باب الدعوات للترمذي.
1 / 134
أنهم ما عقلوا معناه. وإليك أخي المسلم الحائر الجواب، والله الهادي للصواب.
أصاب المدينة - عام الرمادة - قحط أجدب الأرض، على عهد الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب ﵁، فاجتمع الناس في مسجد الرسول ﷺ، وتقدم عمر أمير المؤمنين، وقد تيقن أنه فقد أغلى كنز وهو رسول الله ﷺ الذي ما دعا الله إلاّ واستجاب له. فتواضعًا منه ﵁ وهو الإمام في الدين والدنيا، التمس أتقى الناس وأخيرهم لأن جلال الموقف وعِظَم الخطب يقتضي ذلك، فعيّن العباس لأنه من قرابة الرسول ﷺ وطلب منه أن يدعو الله تعالى. فقام العباس ﵁ وتوضأ - والوضوء وسيلة وعمل صالح تعبدنا الله به إذ هو مكفر للصغائر - ودعا الله ﷿، ولتطمئن أخي المسلم من صحة ما بينت لك، إليك هذا النقل الوارد في كتاب فتح الباري شرح البخاري، الجزء الثاني ص٣٩٦ - و٣٩٩ في (باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء) .
"وقد بيّن الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلاّ بذنب ولم يكشف إلاّ بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث، فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس". وأخرج من طريق داود عن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر بن الخطاب عام الرمادة أن عمر استسقى بالعباس بن عبد المطلب فذكر الحديث. وفيه فخطب الناس عمر فقال: "إن الرسول ﷺ كان يرى الولد للوالد فاقتدوا أيها الناس برسول الله ﷺ في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله". وفيه فما برحوا حتى سقاهم الله. انتهى الحديث.
وورد أيضا: "حدثنا الحسن بن محمد حدثنا ابن عبد الله الأنصاري حدثني أبي عبد الله بن المثنى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ﵁ أن عمر بن الخطاب كان إذا قُحِطوا استسقى بالعباس ابن عبد المطلب فقال: اللهم إنا
1 / 135
كنا نتوسل بنبينا ﷺ فتسقنا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيُسقوْن". رواه البخاري.
قلت: قوله: "اللهم إنا كنا نستسقي بنبينا فتسقنا": أي بدعاء نبينا وهو ﷺ حي يتلقى الوحي وبدليل أنه كان يدعو الله ويتضرع إليه وهو الذي شرع لنا الدعاء ولو شرع لنا غيره لما وسعنا إلاّ اتباعه لأنه أعطانا قاعدة جليلة وميزانًا منصفًا: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد". رواه البخاري عن عائشة ﵂.
وقوله: "وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" والعباس يومئذ حي يُرزق وقام وتوضأ ودعا. ثم في الحديث محذوف فُهِم من السياق (ودعاء نبينا، ودعاء عم نبينا) . واعلم أخي المتطلع إلى طريق الحق أن التوسل يكون بالأعمال الصالحة المشروعة وبالدعاء. وقد بيّن رسول الله ﷺ، الناصح الأمين، إيضاح ذلك في حديث الثلاثة نفر الذين آواهم المبيت إلى غار في الجبل فانحدرت صخرة من أعلى الجبل فسدت عليهم الغار إلى آخر الحديث١.
وأما الوسيلة التي يدافع عنها بعضهم ويعادي فيها - حتى في موسم الحج وقد جاء لمغفرة الذنوب وتصحيح العقيدة في مهبط الوحي ومهد أنصار السلفية - وهي التوسل بذوات الأموات والأحياء فهي غير مشروعة من هنا نعلم أنها باطلة لا تجدي نفعًا.
وأما المشروعة هي أن تقول: اللهم إني أتوسل إليك وأتقرب إليك بإيماني بنبيك، وأنت مؤمن به، أو تقول: بمحبتي لنبيك وأنت تحبه، بأتباعي لنبيك وأنت صادق تتبعه.
_________
١ أنظر صحيح البخاري في باب البيوع رقم ٩٨ وانظر الفتح الجزء السادس ص٣٦٧.
1 / 136
وفي الحديث١ الذي رواه المقدسي عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به".
وفقني الله والمسلمين لمعرفة الحق واتباعه.
وختامًا أخي المؤمن، إن وجدت قومًا قد ساقوا إبلًا أو أبقارًا أوخرفانًا أو غيرها إلى قبر أو حجر لذبحها عنده، زعمًا منهم أنهم بذلك يرضون الله ويعملون عملًاصالحًا، فانصحهم وبيّن لهم عدم مشروعية ما يصنعون، وامنعهم وردهم على أعقابهم إن استطعت إلى ذلك سبيلًا. وإياك أن تشاركهم أو تحضر معهم تكثيرًا لسوادهم فإن ذلك من شهادة الزور. وعباد الرحمن _كما تعلم عن ربك في كتابه القرآن الكريم _لا يشهدون الزور.
واعلم أن الله تعالى إن أنزل الغيث في تلك الساعة أو بعدها فإنما يريد أن يبتلي إيمانهم ويُمحص قلوبهم، وليس إنزاله المطر استجابة لما قدموا من عمل الجاهلية، أو يريد أن يزيدهم ضلالًا على ضلالهم لتعلقهم بأصحاب القبور وغيرهم ولصرفهم العبادة إلى غيره، إن عَلم ﷾ في قلوبهم إعراضًا عن توحيده وإخلاص العبادة له وحده، وإقبالًا على غيره خوفًا وطمعًا ورهبة ورجاء، فتزهق أواحهم وهم كافرون. فنعوذ بالله من الشرك بأنواعه. وربك لا يظلم أحدًا، ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ﴾ من سورة الأنفال.
الله أسأل أن يصلح أحوال المسلمين ويوفقهم للعمل بالكتاب والسنة؛ فهما النجاة
_________
١ رواه الإمام المقدسي في كتاب الحجة على تارك المحجة بإسناد صحيح حسب ما ذكره النووي.
1 / 137