أثر تعليل النص على دلالته
أثر تعليل النص على دلالته
Maison d'édition
دار المعالي
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
Lieu d'édition
عمان
Genres
إذ قالت: "نهى رسول اللَّه ﷺ عن الوصال رحمةً لهم" (^١)، عارضوا يهذه العلة ظاهر النهي فحملوا النهي على وجه الترخيص وأخذوا هم بالعزيمة "فلم ينتهوا عن الوصال" كما قال أبو هريرة ﵁.
وهذا التخريج لفعل الصحابة متعين إذ لا يُظن بهم رضوان اللَّه عليهم عصيان أمر النبي ﷺ مع ما كانوا عليه من كمال الطاعة وسرعة الامتثال، ولو اقتضى ذلك زهوق أرواحهم ونفاد أموالهم.
قال الشاطبي ﵀: «واصل ﵊ وواصل السلف مع علمهم بالنهي، تحقُّقا بأن مغزى النهي الرفق والرحمة، لا أن مقصود النهي عدم إيقاع الصوم ولا تقليله» (^٢).
وقال أيضًا «قد واصل ﵊ بأصحابه حين نهاهم فلم ينتهوا، وفي هذا أمران إذا أخذنا بظاهر النهي:
أحدهما: أنه نهاهم فلم ينتهوا، فلو كان المقصود من النهي ظاهره لكانوا عاندوا نهيه بالمخالفة مشافهة وقابلوه بالعصيان صراحًا، وفي هذا القول ما فيه.
والآخر: أنه واصل بهم حين لم يمتثلوا نهيه، ولو كان النهي على ظاهره لكان تناقضًا وحاشى لله من ذلك، وإنما كان ذلك النهي للرفق بهم خاصة وإبقاء عليهم فلما لم يسامحوا أنفسهم بالراحة وطلبوا فضيلة احتمال التعب في مرضاة اللَّه أراد ﵊ أن يريهم بالفعل ما نهاهم لأجله وهو دخول المشقة حتى يعلموا أن نهيه ﵊ هو الرفق بهم والأخلق بالضعفاء الذين لا يصبرون على احتمال اللأواء في مرضاة ربهم» (^٣).
_________
(^١) البخاري، الصحيح، حديث رقم (١٩٦٤).
(^٢) الشاطبي، الموافقات، ج ٣، ص ١٥٠.
(^٣) الشاطبي، الموافقات، ج ٣، ص ١٥١.
1 / 90