أثر تعليل النص على دلالته
أثر تعليل النص على دلالته
Maison d'édition
دار المعالي
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
Lieu d'édition
عمان
Genres
الشهود، لم ينتفِ كذلك حكم إباحة الدم.
إذن، فالانعكاس ليس يُشترط في حالة تعدد العلل الموجبة للحكم، أما حيث قيل: بأن الحكم معلل بعلة واحدة فقط، فلا بد حينئذ من اشتراط الانعكاس أو - بعبارة أخرى - لا بد من انتفاء الحكم إذا انتفت هذه العلة.
ومثال ذلك: ما لو قيل بأن العلة في إعطاء المؤلفة قلوبهم من الصدقات هي حاجة الدولة إليهم في كفّ شرهم وشرّ غيرهم، فإذا انتفت هذه العلة بأن قويت الدولة فلم تعد بحاجة إليهم، كان لا بد من قطع العطاء عنهم؛ لأنا لو أعطيناهم - والحالة هذه - لكان هذا لغير علة ولا مصلحة وهو لا يجوز، ولعل هذا هو منحى اجتهاد عمر ﵁ في هذه المسألة (^١).
أما لو قيل بأن العلة في إعطاء المؤلفة ليست هي ما سبق فحسب، بل يضاف إليها علة تشوف الشارع إلى إسلامهم ببذل المال لهم تحبيبًا لهم في الإسلام، ففي مثل هذه الحالة لا يشترط الانعكاس، لأنها إن انتفت الحاجة إلى دفع الشر؛ نظرًا إلى قوة الدولة، فإنها لا تزال تبقى الحاجة إلى التأليف والتحبيب في الإسلام، وبهذه العلة يثبت الحكم وإن زالت العلة الأولى، وعلى هذا لا يُمنع عطاء المؤلفة بحال.
وعليه فحاصل مسألة الانعكاس، وحاصل ما قاله الغزالي، ﵀، في هذا الشأن: هو أنه لا بدّ من زوال الحكم إذا زالت علته إلا أن يثبت الحكم لعلة أخرى.
وهذا لا ينبغي الخلاف فيه، قال العلامة الأصولي الصفي الهندي (^٢): «لا ينبغي أن يكون فيما ذكره الغزالي [وهو ما أُورد آنفًا] خلافٌ ونزاعٌ لأحد» (^٣).
_________
(^١) سيأتي في الفصل الثاني تفصيل القول في هذا الاجتهاد.
(^٢) هو: محمد بن عبد الرحيم بن محمد الآرموي الهندي: فقيه أصولي، ولد بالهند، وخرج إلى اليمن ومصر والروم، واستوطن دمشق، أشهر مصنفاته: «نهاية الوصول إلى علم الأصول» في أصول الفقه، توفي سنة ٧١٥ هـ. انظر: خير الدين الزِّركلي، الأعلام، ط ١٠، دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٩٢ م، ج ٦، ص ٢٠٠، وسيشار له: الزركلي، الأعلام.
(^٣) نقله عنه الزركشي، البحر المحيط، ج ٥، ص ١٤٤.
1 / 28