L'Empire islamique et les lieux saints
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Genres
تقع مغارة الحليب قريبة من كنيسة المهد، وهي أكثر سعة من المغارات القائمة تحت الكنيسة المذكورة. وتختلف المغارة في تنسيقها الحالي عن سائر مغارات الكنيسة، وإن تشابهت جميعا في طبيعتها، ففي أول مغارة الحليب - بعد المدخل - تمثال صغير للعذراء والمسيح ممتطيين حمارا يسير بهما إلى مصر، ويسير إلى جانبه رجل لعله يوسف النجار، وينحدر الإنسان إلى كنيسة صغيرة يخال أنها منقورة في الصخر، وإن هبط إليها ضوء النهار من أعلاها، وإلى جانب الكنيسة الأيمن صورة كبيرة للعذراء. وهذه الآثار كلها تضيئها الكهرباء مختلف ألوانها، فتلقي عليها بهاء لا مثيل له في مغارات الكنيسة الكبرى.
ليس لمغارة الحليب من القدسية ما لكنيسة المهد بطبيعة الحال، وليس في كنيسة المهد مكان أكثر قدسية من مكان المهد نفسه، وليس يزيد على كنيسة المهد في القدسية غير كنيسة القيامة ببيت المقدس. (2) كنيسة القيامة
أشرنا إلى معجزة الله في مولد عيسى، وكنيسة المهد تقوم ببيت لحم ذكرا لهذا المولد ولهذه المعجزة، أما كنيسة القيامة، فإنها تقوم ذكرا للرواية المسيحية عن صلب المسيح وصعدوه إلى السماء، وقصة الصلب والصعود معجزة - هي الأخرى - جديرة بالذكر، وبأن يقام لها هذا الأثر الفخم الذي يحج إليه المسيحيون من أقطار الأرض جميعها، والذي كان مثارا للحروب الصليبية التي امتدت على القرون.
والإسلام والمسيحية يختلفان في صلب المسيح، وإن أمكن التوفيق بينهما في قصة الصعود، وليس يرجع الخلاف على قصة الصلب إلى خلاف على مقدماتها وما سبقها، ولا إلى خلاف على واقعتها، بل يرجع إلى وقوع الصلب على شخص المسيح نفسه. أما الصعود، فقد ورد ذكره في القرآن في غير موضع، إذ يقول تعالى يخاطب المسيح:
إني متوفيك ورافعك إلي
ويقول:
بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما .
قصة الصلب
لا يقع الخلاف في قصة الصلب على مقدماتها، فالمسيح كلمة الله ورسوله، عند المسلمين وعند المسيحيين، أرسله الله إلى قومه بفلسطين حين حكمتهم روما حكم بطش واستبداد، وحين فرقت كلمتهم، وجعلت للأغنياء وذوي المكانة سلطانا على الفقراء وعلى الشعب يسومونه سوء العذاب. ولم يكن شعب فلسطين يومئذ قد استسلم إلى المذلة ورضي حكم الرومان، بل كانت أسباب الثورة تضطرب بها أحشاء البلاد كلها، وكان الناس هناك يؤمنون بأنهم سيتحررون من نير روما، بل سيحكمون العالم بدورهم عما قريب.
فلما قام المسيح بينهم وجعل يذيع تعاليمه فيهم، بدأت السلطات تخاف أثره، وبدأ الأغنياء وذوو المكانة ورجال الدين من اليهود يناوئونه، على أن سخطهم عليه وثورتهم به لم يبلغا ذروتهما حتى جاء بيت المقدس. أما حين كان يلقي تعاليمه على أتباعه متنقلا من الناصرة إلى الجليل إلى غيرهما من البلاد، فيتناقلها الناس ويذيعون بينهم معجزاته، فقد كان البرم به محصورا في دائرة ضيقة، فلما دخل بيت المقدس بعد أن ذاعت في الناس معجزاته وتعاليمه، خشي اليهود مغبة ما يصيبهم إذا استفحل أمره، وزينوا للحاكم من قبل روما ما جعله يعتقد أن المسيح يضلل الناس بما يزعم من إحياء الموتى وإبراء المرضى وإعادة الصواب إلى ذي الجنة، وجيء بعيسى، وحوكم فحكم عليه بالموت. وكانت عقوبة الإعدام تنفذ بالصلب في مصر وروما وفلسطين، وغيرها من البلاد المجاورة لها، وصلب عيسى، ودقت المسامير إلى يديه وساقيه، فسال دمه، فافتدى به خطايا الخلق. فلما مات ورفع من فوق الصليب أودع قبرا هو الذي تقوم كنيسة القيامة اليوم ذكرا له. وبعد ثلاثة أيام من دفنه عاد إلى أصحابه حيا، فأمرهم أن يتفرقوا في الأرض فيذيعوا في الناس تعاليمه. وتفرق الحواريون، واتبعهم من اتبعهم، وظلوا يسامون في روما وفي غير روما ألوان العذاب، حتى لان قلب العاهل الروماني قسطنطين إلى المسيحية فاعتنقها، وكان أول من أمر ببناء كنيسة المهد وكنيسة القيامة.
Page inconnue