L'Empire islamique et les lieux saints
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Genres
وليس ثمة شبهة في أن هذه المبادئ تتفق ومبادئ الديمقراطية، ولا شبهة كذلك في أن المسلمين يجب عليهم أن يقيموا أنظمة الحكم في بلادهم على أساس من هذه المبادئ ليصوروا هذه النظم كما يشاءون، ليجعلوها برلمانية أو نيابية، ليقيموها على أساس المسئولية الوزارية أو المسئولية العامة أمام الرأي العام، مسئولية من نوع ما هو حاصل اليوم في أمريكا، وما كان حاصلا في عهد الخلفاء الراشدين، ليختاروا من ذلك أو مما يشبهه ما يشاءون.
لكن الأساس يجب أن يكون دائما حكم الشعب نفسه عن طريق التمثيل الصحيح، والمناقشة الحرة، والانتهاء إلى رأي الأغلبية، ويجب على المسلمين أن يدفعوا عن المبادئ التي قررها دينهم بكل قوتهم، ففي ذلك تثبيت لما يدينون به، وما تتحقق به آراؤهم الإسلامية السليمة.
فأما الذين يحاولون التدليل على أن الإسلام يقر حكما غير الحكم الديمقراطي، ويلتمسون الحجة على ذلك بما كان في عصور مختلفة من حياة الأمم الإسلامية، فأولئك يخالفون المبادئ الجوهرية للإسلام على ما خرج في صفائه من شبه الجزيرة.
وحسبي دمغا لحجة هؤلاء أن المسلمين لم يصبهم ما أصابهم فأحزنهم إلا بفضل هذا الحكم المطلق، وما كان لنظام جنى على المسلمين هذه الجناية أن يكون نظاما إسلاميا يقره المسلمون ويحترمونه! فأما الديمقراطية الإسلامية، على ما خرجت من شبه الجزيرة، فهي التي جعلت للإسلام ما أراده الله له، وما حفظ حتى اليوم كيانه.
ولم تقف المبادئ الديمقراطية في الإسلام عند نظام الحكم في أمة بذاتها، بل لقد تعدت ذلك إلى العلاقات الدولية وتنظيمها، فاحترام المعاهدات، ومقاتلة الباغي حتى يفيء إلى أمر الله، واحترام المحايدين والسكان الآمنين، كل ذلك وما إليه مما تفرضه المبادئ الديمقراطية قد فرضه الإسلام وقرره القرآن الكريم. (4) الحياة الدولية
الإسلام دين حرية، وإخاء، ومساواة، والتشريع والقضاء ونظام الحكم فيه صورة من صور الديمقراطية، كما فهمها اليونان الأقدمون، وكما نفهمها في العصر الحاضر، أفكان ذلك شأنه في الحياة الدولية كذلك؟ وهل قرر في علاقات الدول بعضها مع بعض من المبادئ ما يقارن بما تقرر في عصرنا الحاضر؟ وإن يكن من ذلك شيء، فهل تتفق هذه المبادئ وما تدين به الأمم الديمقراطية؟
وطبيعي ألا يغفل الإسلام العلاقات الدولية، وقد كانت معروفة أول ظهوره، وكانت معروفة قبله بمئات السنين بل بألوفها، لكن الذي قد يعجب له بعضهم أن يكون الإسلام قد نادى بالفكرة الدولية التي حققتها الأمم الديمقراطية سنة 1919 في أعقاب الحرب الكبرى الماضية، أقصد فكرة عصبة الأمم.
والواقع أن هذه الفكرة ليست إلا تحقيقا لمعنى الديمقراطية في الحياة الدولية على الوجه الذي تتحقق به في الحياة القومية، والأساس الذي تقوم عليه هو بعينه أساس الحرية والإخاء والمساواة، المساواة بين الأمم الصغيرة والكبيرة، وحريتها في إبداء رأيها في كل مسألة تعرض على العصبة، وسعي الدول المشتركة فيها جميعا لتحقيق معنى التعاون والإخاء توطيدا للسلم ودفعا للحرب.
وذلك ما تجده في الفكرة الإسلامية، فأنت إن رجعت إلى عهدة هذه العصبة وجدتها كلها تتلخص في قوله تعالى:
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ، هذه الآيات تتناول مواد العهدة كلها تقريبا.
Page inconnue