الفساد.
والقول الثالث: وهو قول الشافعي وأحمد في رواية، ومالك في الرواية الأخرى أنها لا تُزوَّجُ حتى تبلغ إذا لم يكن لها أب وجد؛ قالوا: لأنه ليس لها ولي مجبر، وهي في نفسها الإذن لها بعد البلوغ، فتعذر تزويجها بإذنها وإذن وليها. والقول الأول أصح بدلالة الكتاب والسنة والاعتبار؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾ ١.
وقد ثبت عن عائشة ﵂ أن هذه الآية نزلت في اليتيمة تكون في حِجر وليها، فإن كان لها مال وجمال تزوجها، ولم يُقْسِط في صداقها، وإن لم يكن لها مال لم يتزوجها، فنهي أن يتزوجها حتى يقسط في صداقها من أجل رغبته عن نكاحها إذا لم يكن لها مال.
وقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ ٢ يفتيكم ويفتيكم في المستضعفين، فقد أخبرت عائشة في هذا الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم أن هذه الآية نزلت في اليتيمة تكون في حجر وليها، وأن الله أذن له في تزويجها إذا أقسط في صداقها، وقد أخبر أنها في حجره، فدل على أنها محجور عليها.
وأيضا فقد ثبت في السنن من حديث أبي موسى وأبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: "لا تنكح اليتيمة حتى تستأذن، فإن سكتت فقد أذنت، وإن أبت فلا جواز عليها" ٣ فجَوَّز تزويجها بإذنها، ومنعه بدون إذنها، وقد قال ﷺ: "لا يُتْمَ بعد احتلامٍ" ٤ ولو أريد باليتيم ما بعد البلوغ فبطريق المجاز؛ فلا بد أن يعم ما قبل البلوغ وما بعده، أما تخصيص لفظ يتيم بما بعد البلوغ فلا
_________
١ سورة النساء آية: ١٢٧.
٢ سورة النساء آية: ١٢٧.
٣ النسائي: النكاح (٣٢٧٠)، وأبو داود: النكاح (٢٠٩٣)، وأحمد (٢/٢٥٩،٢/٤٧٥) .
٤ أبو داود: الوصايا (٢٨٧٣) .
1 / 56