La Foi
الإيمان
Chercheur
محمد ناصر الدين الألباني
Maison d'édition
المكتب الإسلامي،عمان
Numéro d'édition
الخامسة
Année de publication
١٤١٦هـ/١٩٩٦م
Lieu d'édition
الأردن
فإن قيل: إذا كان المؤمن حقًا هو الفاعل للواجبات التارك للمحرمات، فقد قال: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال: ٤]، ولم يذكر إلا خمسة أشياء، وكذلك قال في الآية الأخرى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات: ١٥]، وكذلك قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النور: ٦٢] .
قيل: عن هذا جوابان:
أحدهما: أن يكون ما ذكر مستلزمًا لما ترك؛ فإنه ذكر وَجَلَ قلوبهم إذا ذكر الله، وزيادة إيمانهم إذا تليت عليهم آياته مع التوكل عليه، وإقام الصلاة على الوجه المأمور به باطنًا وظاهرًا، وكذلك الإنفاق من المال والمنافع، فكان هذا مستلزمًا للباقي؛ فإن وَجَل القلب عند ذكر الله يقتضي خشيته والخوف منه، وقد فسروا [وجلت] ب [فرقت] . وفي قراءة ابن مسعود: [إذ ذكر الله فرقت قلوبهم] . وهذا صحيح؛ فإن الوَجَل في اللغة: هو الخوف، يقال: حُمْرَة الخَجَل، وصُفْرَة الوَجَل، ومنه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُون﴾ [المؤمنون: ٦٠]، قالت عائشة: يا رسول الله، هو الرجل يزني ويسرق ويخاف أن يعاقب؟ قال: " لا يا ابنة الصديق! هو الرجل يصلي ويصوم ويتصدق، ويخاف ألا يقبل منه ".
وقال السُّدِّي في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢]: هو الرجل يريد أن يظلم أو يَهِمَّ بمعصية فينزع عنه، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: ٤٠، ٤١]، وقوله: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن: ٤٦] . قال مجاهد وغيره من المفسرين: هو الرجل يَهِمُّ بالمعصية، فيذكر مقامه بين يدي الله، فيتركها خوفًا من الله.
وإذا كان وجل القلب من ذكره يتضمن خشيته ومخافته، فذلك يدعو صاحبه إلى فعل المأمور، وترك المحظور. قال سهل بن عبد الله: ليس بين العبد وبين الله
1 / 19