المهدية، فعليكم بحسن الهدى ولزوم الطاعة، وقد استخلف الله عليكم خليفة ليجمع به ألفتكم، ويقيم به كلمتكم، فأعينوني على ذلك بخير، ولم أكن لأبسط يدا ولا لسانا على من لم يستحل ذلك إن شاء الله، وأيم الله ما حرصت عليها ليلا ولا نهارا، ولا سألتها الله قط في سر ولا علانية، ولقد قلدت أمرا عظيما، ما لي به طاقة ولا يد، ولوددت أني وجدت أقوى الناس عليه مكاني، فأطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم، ثم بكى وقال: اعلموا أيها الناس أني لم أجعل لهذا المكان أن أكون خيركم ، ولوددت أن بعضكم كفانيه، ولئن أخذتموني بما كان الله يقيم به رسوله من الوحي ما كان ذلك عندي، وما أنا إلا كأحدكم، فإذا رأيتموني قد استقمت فاتبعوني، وإن زغت (1) فقوموني، واعلموا أن لي شيطانا يعتريني أحيانا، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني، لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم، ثم نزل. ثم دعا عمر والأوجاه (2) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما ترون لي من هذا المال؟ (3) فقال عمر:
أنا والله أخبرك مالك منه. أما ما كان لك من ولد قد بان عنك وملك أمره، فسهمه كرجل من المسلمين، وأما ما كان من عيالك وضعفة أهلك، فتقوت منه بالمعروف وقوت أهلك. فقال: يا عمر إني لأخشى ألا يحل لي أن أطعم عيالي من فئ المسلمين. فقال عمر: يا خليفة رسول الله، إنك قد شغلت بهذا الأمر عن أن تكسب لعيالك.
قال: ولما تمت البيعة لأبي بكر، واستقام له الأمر، اشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العرب، فنصب لهم أبو بكر الحرب، وأراد قتالهم، فقالوا:
نصلي ولا نؤدي الزكاة. فقال الناس: اقبل منهم يا خليفة رسول الله، فإن العهد حديث، والعرب كثير، ونحن شرذمة قليلون، لا طاقة لنا بالعرب، مع أنا قد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أمرت أن أقاتل الناس حتى
Page 34