لئن كنا أولى الفضيلة في جهاد المشركين، والسابقة في الدين، ما أردنا إن شاء الله غير رضا ربنا، وطاعة نبينا، والكرم لأنفسنا (1)، وما ينبغي أن نستطيل بذلك على الناس، ولا نبتغي به عوضا (2) من الدنيا فإن الله تعالى ولي النعمة والمنة علينا بذلك. ثم إن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قريش، وقومه أحق بميراثه، وتولي سلطانه، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا فاتقوا الله ولا تنازعوهم ولا تخالفوهم.
بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: ثم إن أبا بكر قام على الأنصار، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، ثم دعاهم إلى الجماعة، ونهاهم عن الفرقة، وقال: إني ناصح لكم في أحد هذين الرجلين: أبي عبيده بن الجراح، أو عمر فبايعوا من شئتم منهما، فقال عمر:
معاذ الله أن يكون ذلك وأنت بين أظهرنا، أنت أحقنا بهذا الأمر، وأقدمنا صحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل منا في المال، وأنت أفضل المهاجرين وثاني اثنين، وخليفته على الصلاة، والصلاة أفضل أركان دين الإسلام، فمن ذا ينبغي أن يتقدمك، ويتولى هذا الأمر عليك؟ أبسط يدك أبايعك. فلما ذهبا يبايعانه سبقهما إليه بشير الأنصاري فبايعه، فناداه الحباب بن المنذر: يا بشير بن سعد، عقك عقاق ما اضطرك إلى ما صنعت؟ حسدت ابن عمك على الإمارة؟ قال: لا والله، ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا لهم.
فلما رأت الأوس ما صنع قيس (3) بن سعد وهو من سادات الخزرج، وما دعوا إليه المهاجرين من قريش، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير (4) رضي الله عنه: لئن وليتموها سعدا عليكم مرة واحدة، لا زالت لهم بذلك عليكم الفضيلة، ولا جعلوا لكم نصيبا فيها أبدا، فقوموا فبايعوا أبا بكر رضي الله عنه، فقاموا إليه فبايعوه؟ فقام الحباب بن المنذر إلى سيفه فأخذه، فبادروا إليه فأخذوا سيفه منه، فجعل
Page 26