المبحث الأوَّل: الحالةُ السياسية:
عاصر أبو العباس الداني ﵀ قيامَ عدّة دوَلٍ، فبعد انهيار الدولة الأموية وانتهاء حكمها في الأندلس سنة (٤٢٢ هـ) قامت عدّةُ دولٍ وطوائف يمثِّل كلَّ طائفة منها رئيسٌ أو ملكٌ، استقلَّ كلُّ واحد منهم بناحيةٍ مِن نواحي الأندلس، واستبدّ كلُّ رئيس منهم بتدبير ما تغلَّب عليه من الجهات.
وكانت هذه الدول الصغيرة متخاصمةً متنابذةً فيما بينها، لا تربطها صلةٌ ولا تجمع مصلحتها كلمةٌ، عُرفت بدول الطوائف، ويُعرف رؤساؤها بملوك الطوائف، وتَسمَّى كلُّ واحد منهم بألقاب مختلفة كالمقتدر والمعتمد وغير ذلك.
وأبلغُ وصفٍ لحال الأندلس في عهد ملوك الطوائف ما قاله أبو الحسن بن رشيق القيرواني:
ممّا يزهِّدني في أرض أندلس ... تلقيبُ معتضد فيها ومعتمد
ألقابُ مملكة في غيرِ موضعِها ... كالهرِّ يحكي انتفاخًا صَولة الأسَد (١)
وقال ابن حزم الأندلسي: "فضيحةٌ لم يقع في العالم إلى اليوم مثلُها، أربعةُ رجالٍ في مسافة ثلاثة أيَّام في مثلها كلُّهم يَتسمَّى بأمير المؤمنين، ويُخطب لهم بها في زمن واحد ... " (٢).
_________
(١) نفح الطيب (١/ ٢١٤).
(٢) رسائل ابن حزم (٢/ ٩٧).
1 / 31