أوزان الشعر وأبوابه
ولهذا رأيت أن أذكر في ما يلي ما تيسر لي استخراجه من شعر العرب بالنظر إلى ترابط بحور الشعر بمواضيعه وأبوابه، فقد راعيت هذا الترابط في بعض الأناشيد؛ فأدت تلك المراعاة إلى فائدة يحسن التعويل عليها في بعض الأحوال.
ولا شك أن العروضيين نظروا إلى أبحر الشعر من هذه الوجهة، ولكنهم لم يزيدوا على تسميتها بأسماء تنطبق توسعا على مسميات مواضيع القصائد المنظومة عليها فقالوا: هذا طويل، وذاك بسيط، وذلك خفيف أو سريع وهلم جرا، ووقفوا عند هذا الحد.
ولكنه يستفاد من هذه التسمية أن لكل بحر ساحلا يقف عنده، ويرشد اسمه إليه فإذا قلنا: هذا بحر طويل علمنا أنه لا يسوغ أن ننظم عليه الأهازيج والموشحات والأغاني، وإذا قلنا: هذا بحر مقتضب أو مجتث علمنا أنهما لا يصلحان للمنظومات على إطلاقها، ولا يصح فيهما تدوين الروايات والتواريخ.
ولو أردنا أن نضع أصولا وافية لهذا البحث لوجب أن نرجع إلى منظوم نوابغ الشعراء، ونقابل بين أبوابه وبحوره؛ فتظهر لنا أغلبية كل وجه من كل بحر، وهو بحث طويل لا يتسع له هذا المجال.
فحسبنا إذا فتحا لهذا الباب أن ننبه إليه، ونذكر موجزين خلاصة ما اتضح لنا بالتطبيق والمقابلة.
فالطويل
بحر خضم يستوعب ما لا يستوعب غيره من المعاني، ويتسع للفخر والحماسة والتشابيه، والاستعارات وسرد الحوادث، وتدوين الأخبار، ووصف الأحوال، ولهذا ربا في شعر المتقدمين على ما سواه من البحور؛ لأن قصائدهم كانت أقرب إلى الشعر القصصي من كلام المولدين، خذ مثالا لذلك معلقات امرئ القيس ، وزهير، وطرفة، ولامية الشنفري، وقصيدة عبد يغوث الحارثي التي مطلعها:
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا
فما لكما في اللوم نفع ولا ليا
Page inconnue