بل لا يصح أن تصرف كل دخلك، فالليالي من الزمان حبالى، لا تدري، ماذا يحدث، وكم من المال تحتاج، وقاك الله شر السوء.
أي بني!
وكان لنا أستاذ كبير في مدرسة القضاء يتقاضى خمسة وثلاثين جنيها في الشهر، كما يتقاضى مائتي جنيه في السنة من الجامعة المصرية ولكنه كان مسرفا في بيته، يقيم كل أسبوع حفلات استقبال، وحفلات رقص وموسيقى، ويستدين كل شهر ما يحتاج إليه بيته من خبز ولحم ولبن وغير ذلك. فإذا جاء أول الشهر اصطف الدائنون على باب المدرسة حتى يقبض الأستاذ مرتبه ويخرج فيوزع عليهم أكثر مرتبه، ولا يبقي منه إلا ما يكفي ثلاثة أيام، فكان يقول: لعن الله السبعة والعشرين يوما آخر الشهر، وكان يمد يده إلى زملائه في المدرسة فيقترض منهم.
أي بني!
حذار أيضا من أن تكون مثل هذا، بل لا بد أن تعيش عيشة اقتصادية لا إسراف فيها ولا تقتير، وأن تكون معيشتك منظمة وبمقدار ما تكسب، بل أقل مما تكسب: لا حرمان ولا بهرجة، واعلم أن اضطرابك وفساد ميزانيتك شهرا واحدا يجر عليك فساد العمر كله، وإذا فسدت ميزانيتك وأنت لم تتزوج بعد فأولى أن تفسد بعد الزواج، وقاك الله شر الدين.
واعلم أن ليست الأخلاق صدقا وعدلا وشجاعة فقط، بل إن من أهم الأخلاق تنظيم الحياة أيضا، وسيرك في الحياة المالية بنظام وإتقان، ولأن يمد الناس أيديهم إليك يقترضون منك خير من أن تمد يدك تقترض منهم.
وفي الحديث: اليد العليا خير من اليد السفلى.
حفظك الله من هذه الشرور، وجعل يدك العليا دائما، والسلام عليك ورحمة الله.
2
فلنرحم العامل المسكين!
Page inconnue