Vivification des sciences de la religion
إحياء علوم الدين
Maison d'édition
دار المعرفة
Lieu d'édition
بيروت
الأقران والأمثال والترفع إلى فوق قدره حتى إنهم ليتقاتلون على مجلس من المجالس يتنافسون فيه في الارتفاع والانخفاض والقرب من وسادة الصدر والبعد منها والتقدم في الدخول عند مضايق الطرق وربما يتعلل الغبي والمكار الخداع منهم بأنه يبغي صيانة عز العلم وأن المؤمن منهي عن الإذلال لنفسه (١) فتعبر عن التواضع الذي أثنى الله عليه وسائر أنبيائه بالذل وعن التكبر الممقوت عند الله بعز الدين تحريفًا للاسم وإضلالًا للخلق به كما فعل في اسم الحكمة والعلم وغيرهما
ومنها الحقد فلا يكاد المناظر يخلو عنه
وَقَدْ قَالَ ﷺ الْمُؤْمِنُ ليس بحقود (٢) وورد في ذم الحقد ما لا يخفى
ولا ترى مناظرًا يقدر على أن لا يضمر حقدًا على من يحرك رأسه من كلام خصمه ويتوقف في كلامه فلا يقابله بحسن الإصغاء بل يضطر إذا شاهد ذلك إلى إضمار الحقد وتربيته في نفسه وغاية تماسكه الإخفاء بالنفاق ويترشح منه إلى الظاهر لا محالة في غالب الأمر
وكيف ينفك عن هذا ولا يتصور اتفاق جميع المستمعين على ترجيح كلامه واستحسان جميع أحواله في إيراده وإصداره بل لو صدر من خصمه أدنى سبب فيه قلة مبالاة بكلامه انغرس في صدره حقد لا يقلعه مدى الدهر إلى آخر العمر
ومنها الغيبة وقد شبهها الله بأكل الميتة ولا يزال المناظر مثابرًا على أكل الميتة فإنه لا ينفك عن حكاية كلام خصمه ومذمته وغاية تحفظه أن يصدق فيما يحكيه عليه ولا يكذب في الحكاية عنه فيحكي عنه لا محالة ما يدل على قصور كلامه وعجزه ونقصان فضله وهو الغيبة فأما الكذب فبهتان وكذلك لا يقدر على أن يحفظ لسانه عن التعرض لعرض من يعرض عن كلامه ويصغي إلى خصمه ويقبل عليه حتى ينسبه إلى الجهل والحماقة وقلة الفهم والبلادة
ومنها تزكية النفس قال الله ﷾ فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى وقيل لحكيم ما الصدق القبيح فقال ثناء المرء على نفسه
ولا يخلو المناظر من الثناء على نفسه بالقوة والغلبة والتقدم على الأقران ولا ينفك في أثناء المناظرة عن قوله لست ممن يخفى عليه أمثال هذه الأمور وأنا المتفنن في العلوم والمستقل بالأصول وحفظ الأحاديث وغير ذلك مما يتمدح به تارة على سبيل الصلف وتارة للحاجة إلى ترويج كلامه
ومعلوم أن الصلف والتمدح مذمومان شرعًا وعقلًا ومنها التجسس وتتبع عورات الناس وقد قال تعالى ولا تجسسوا والمناظر لا ينفك عن طلب عثرات أقرانه وتتبع عورات خصومه حتى إنه ليخبر بورود مناظر إلى بلده فيطلب من يخبر بواطن أحواله ويستخرج بالسؤال مقابحه حتى يعدها ذخيرة لنفسه في إفضاحه وتخجيله إذا مست إليه حاجة حتى إنه ليستكشف عن أحوال صباه وعن عيوب بدنه فعساه يعثر على هفوة أو على عيب به من قرع أو غيره ثم إذا أحس بأدنى غلبة من جهته عرض به إن كان متماسكًا ويستحسن ذلك منه ويعد من لطائف التسبب ولا يمتنع عن الإفصاح به إن كان متبجحًا بالسفاهة والاستهزاء كما حكي عن قوم من أكابر المناظرين المعدودين من فحولهم
ومنها الفرح لمساءة الناس والغم لمسارهم ومن لا يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه فهو بعيد من أخلاق المؤمنين فكل من طلب المباهاة بإظهار الفضل يسره لا محالة ما يسوء أقرانه واشكاله الذين يسامونه في الفضل ويكون التباغض بينهم كما بين الضرائر فكما أن إحدى الضرائر إذا رأت صاحبتها من بعيد ارتعدت فرائصها واصفر لونها فكذا ترى المناظر إذا رأى مناظرًا تغير لونه واضطرب عليه فكره فكأنه يشاهد شيطانًا ماردًا أو سبعًا ضاريًا فأين الاستئناس والاسترواح الذي كان يجري بين علماء الدين عند اللقاء وما نقل عنهم من المؤاخاة والتناصر والتساهم في السراء
_________
(١) حديث نهى المؤمن عن إذلال نفسه أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه من حديث حذيفة لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه
(٢) حديث المؤمن ليس بحقود لم أقف له على أصل
1 / 46