Vivification des sciences de la religion
إحياء علوم الدين
Maison d'édition
دار المعرفة
Lieu d'édition
بيروت
ينبغي أن يفهم الرسالة التي هو مبلغها وهو أن من أطاع الله ورسوله فله الجنة ومن عصاهما فله النار فإذا انتبهت لهذا التدريج علمت أن المذهب الحق هو هذا وتحققت أن كل عبد هو في مجاري أحواله في يومه وليلته لا يخلو من وقائع في عبادته ومعاملاته عن تجدد لوازم عليه فيلزمه السؤال عن كل ما يقع له من النوادر ويلزمه المبادرة إلى تعلم ما يتوقع وقوعه على القرب غالبًا فإذا تبين أنه ﵊ إنما أراد بالعلم المعرف بالألف واللام فِي قَوْلِهِ ﷺ طَلَبُ العلم فريضة على كل مسلم علم العمل الذي هو مشهور الوجوب على المسلمين لا غير فقد اتضح وجه التدريج ووقت وجوبه والله أعلم
بيان العلم الذي هو فرض كفاية
اعلم أن الفرض لا يتميز عن غيره إلا بذكر أقسام العلوم والعلوم بالإضافة إلى الغرض الذي نحن بصدده تنقسم إلى شرعية وغير شرعية وأعني بالشرعية ما استفيد من الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه ولا يرشد العقل إليه مثل الحساب ولا التجربة مثل الطب ولا السماع مثل اللغة فالعلوم التي ليست بشرعية تنقسم إلى ما هو محمود وإلى ما هو مذموم وإلى ما هو مباح فالمحمود ما يرتبط به مصالح أمور الدنيا كالطب والحساب وذلك ينقسم إلى ما هو فرض كفاية وإلى ما هو فضيلة وليس بفريضة أما فرض الكفاية فهو علم لا يستغني عنه في قوام أمور الدنيا كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين
فلا يتعجب من قولنا إن الطب والحساب من فروض الكفايات فإن أصول الصناعات أيضًا من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة بل الحجامة والخياطة فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم وحرجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك
فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء وأرشد إلى استعماله وأعد الأسباب لتعاطيه فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله
وأما ما يعد فضيلة لا فريضة فالتعمق في دقائق الحساب وحقائق الطب وغير ذلك مما يستغنى عنه ولكنه يفيد زيادة قوة في القدر المحتاج إليه
وأما المذموم فعلم السحر والطلسمات وعلم الشعبذة والتلبيسات
وأما المباح منه فالعلم بالأشعار التي لا سخف فيها وتواريخ الأخبار وما يجري مجراه
أما العلوم الشرعية وهي المقصودة بالبيان فهي محمودة كلها ولكن قد يلتبس بها ما يظن أنها شرعية وتكون مذمومة فتنقسم إلى المحمودة والمذمومة
أما المحمودة فلها أصول وفروع ومقدمات ومتممات وهي أربعة أضرب
الضرب الأول الأصول وهي أربعة كتاب الله ﷿ وسنة رسول الله ﷺ وإجماع الأمة وآثار الصحابة والإجماع أصل من حيث إنه يدل على السنة فهو أصل في الدرجة الثالثة
وكذا الأثر فإنه أيضًا يدل على السنة لأن الصحابة ﵃ قد شاهدوا الوحي والتنزيل وأدركوا بقرائن الأحوال ما غاب عن غيرهم عيانه وربما لا تحيط العبارات بما أدرك بالقرائن
فمن هذا الوجه رأى العلماء الاقتداء بهم والتمسك بآثارهم وذلك بشرط مخصوص على وجه مخصوص عند من يراه ولا يليق بيانه بهذا الفن
الضرب الثاني الفروع وهو ما فهم من هذه الأصول لا بموجب ألفاظها بل بمعان تنبه لها العقول فاتسع بسببها الفهم حتى فهم من اللفظ الملفوظ به غيره كما فهم من قوله ﵇ لا يقضي القاضي وهو غضبان (١) أنه لايقضي إذا كان خائفًا أو جائعًا أو متألمًا بمرض
_________
(١) حديث لا يقضي القاضي وهو غضبان متفق عليه من حديث أبي بكرة
1 / 16