L'Argumentation
الاحتجاج
يقول أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك والمبلغ إلى جنتك من أن نتبع أهواءنا فنعطب ونأخذ بآرائنا فنهلك فإن من اتبع هواه وأعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء الناس تعظمه وتصفه فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره ومحله فرأيته في موضع قد أحدقوا به جماعة من غثاء العامة فوقفت منتبذا عنهم متغشيا بلثام أنظر إليه وإليهم فما زال يراوغهم حتى خالف طريقهم وفارقهم ولم يقر فتفرقت جماعة العامة عنه لحوائجهم.
وتبعته أقتفي أثره فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة فتعجبت منه ثم قلت في نفسي لعله معاملة ثم مر بعده بصاحب رمان فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة فتعجبت منه ثم قلت في نفسي لعله معاملة ثم أقول وما حاجته إذا إلى المسارقة ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى وتبعته حتى استقر في بقعة من صحراء فقلت له :
يا أبا عبد الله لقد سمعت بك وأحببت لقاءك فلقيتك لكني رأيت منك ما شغل قلبي وإني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي قال ما هو؟
قلت رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين ثم بصاحب الرمان فسرقت منه رمانتين فقال لي قبل كل شيء حدثني من أنت؟ قلت رجل من ولد آدم من أمة محمد صلى الله عليه وآله قال حدثني ممن أنت؟ قلت رجل من أهل بيت رسول الله قال أين بلدك؟ قلت المدينة.
قال لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام قلت بلى.
قال لي فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به وتركك علم جدك وأبيك لأنه لا ينكر ما يجب أن يحمد ويمدح فاعله.
قلت وما هو؟ قال القرآن كتاب الله قلت وما الذي جهلت؟
قال قول الله عز وجل ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ) وإني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذه أربع سيئات فلما تصدقت بكل واحد منها كانت أربعين حسنة أنقص من أربعين حسنة أربع سيئات بقي ست وثلاثون.
قلت ثكلتك أمك أنت الجاهل بكتاب الله أما سمعت قول الله عز وجل ( إنما يتقبل الله من المتقين ) (1)؟ إنك لما سرقت رغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين ولما دفعتها إلى غيرها من غير رضا صاحبها كنت إنما أضفت أربع سيئات إلى أربع سيئات ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات فجعل يلاحيني فانصرفت وتركته.
Page 369