بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
أخبرنَا الشَّيْخَانِ الأجلان الأمينان الثِّقَة نجم الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن المظفر بن الْقَاسِم النشبي وَالْإِمَام الْعَالم الْعَلامَة مُسْند عصره تَقِيّ الدّين أَبُو مُحَمَّد إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْيُسْر التنوخي قِرَاءَة على كل وَاحِد مِنْهُم وَأَنا أسمع بِمَدِينَة دمشق فِي تاريخين مُخْتَلفين
قيل لكل وَاحِد مِنْهُمَا أَخْبَرتك الشيخة الصَّالِحَة سِتّ الكتبة نعْمَة بنت عَليّ بن يحيى بن عَليّ بن الطراح الْبَغْدَادِيّ قِرَاءَة عَلَيْهَا وَأَنت تسمع بِدِمَشْق فِي تَارِيخ سَمَاعه مِنْهَا فَأقر بِهِ
قيل لَهَا أخْبرك جدك الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يحيى بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الطراح قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنت تسمعين فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة فأقرت بِهِ قَالَ أَنبأَنَا الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ إجَازَة قَالَ
مُقَدّمَة الْمُؤلف
الْحَمد لله رب الْعَالمين شكرا لنعمته وَلَا اله إِلَّا الله إِقْرَارا بوحدانيته وَصلى الله على خير خلقه مُحَمَّد نَبينَا الْمُصْطَفى لرسالته وعَلى إخوانه من النَّبِيين وَأهل بَيته وصحابته وتابعيه بِالْإِحْسَانِ المتمسكين بسنته
سَأَلَني بعض إِخْوَاننَا تولاهم الله برعايته ووفقنا وإياهم للْعَمَل بِطَاعَتِهِ بَيَان عِلّة ترك أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن اسماعيل البُخَارِيّ الرِّوَايَة عَن الإِمَام أبي عبد الله مُحَمَّد بن ادريس الشَّافِعِي فِي كِتَابه الْجَامِع
1 / 23
للآثار عَن سلف الْأمة الأخيار وَذكر أَن بعض من يذهب إِلَى رَأْي أبي حنيفَة ومقالته ضعف أَحَادِيث للشَّافِعِيّ وَاعْترض بالطعن عَلَيْهِ فِي رِوَايَته لإعراض أبي عبد الله البُخَارِيّ عَنْهَا واطراحه مَا انْتهى إِلَيْهِ مِنْهَا
وَلَوْلَا مَا أَخذ الله تَعَالَى على الْعلمَاء فِيمَا يعلمونه ليبيننه للنَّاس وَلَا يكتمونه لَكَانَ أولى الْأَشْيَاء الْإِعْرَاض عَن اعْتِرَاض الْجُهَّال وَالسُّكُوت عَن جوابهم فِيمَا اجترأوا عَلَيْهِ من النُّطْق بالمحال وتركهم على جهلهم يعمهون بتحيرهم فِي الْبَاطِل والضلال لَكِن وَعِيد الله فِي الْقُرْآن منع الْعلمَاء من الكتمان ثمَّ مَا صَحَّ واشتهر عَن الْمُصْطَفى سيد الْبشر ﷺ من التَّغْلِيظ فِي الْخَبَر
الَّذِي أخبرنَا بِهِ أَبُو نعيم احْمَد بن عبد الله الْحَافِظ بأصبهان ثَنَا حبيب بن الْحسن الْقَزاز ثَنَا عبد الله بن أَيُّوب يَعْنِي الجزار ثَنَا أَبُو نصر التمار ثَنَا حَمَّاد عَن عَليّ بن الحكم عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ من كتم علما علمه الله ألْجمهُ الله
1 / 24
تَعَالَى بلجام من نَار
1 / 25
وَأخْبرنَا القَاضِي أَبُو عمر الْقَاسِم بن جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد الْهَاشِمِي بِالْبَصْرَةِ ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الْحَافِظ ثَنَا عمر بن ابراهيم أَبُو الآذان ثَنَا الْقَاسِم بن سعيد بن الْمسيب بن شريك ثَنَا أَبُو النَّضر الْأَكْفَانِيِّ ثَنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَابر يَعْنِي الْجعْفِيّ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ من سُئِلَ عَن علم نَافِع فكتمه جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة مُلجمًا بلجام من نَار
وَأَنا بِمَشِيئَة الله أُجِيب أخانا عَن مَسْأَلته مؤملا من الله جزيل أجره ومثوبته وسائلا لَهُ المعونة بتوفيقه وعصمته فَإِنَّهُ لَا حول لي وَلَا قُوَّة إِلَّا بمعونته
وَقد كَانَ جرى بيني وَبَين بعض من يشار إِلَيْهِ بالمعرفة كَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَاعْترض عَليّ بِمَا تقدم ذكره وَزَاد فِي احتجاجه بخلو كتب مُسلم بن الْحجَّاج النَّيْسَابُورِي وَأبي دَاوُد السجسْتانِي وأئمة الحَدِيث غَيرهمَا مِمَّن صنف الصِّحَاح بعدهمَا من حَدِيث الشَّافِعِي
1 / 26
فأجبته بِمَا فَتحه الله ﷿ عَليّ ويسره وَقضى لي بِهِ النُّطْق فِي الْحَال وَقدره وسألخص إِن شَاءَ الله فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الْكَلَام وأشرحها شرحا يُؤمن مَعَه وُقُوع الْإِيهَام ليَكُون حجَّة على من رام دفع الْحق وَظُهُور الْبَاطِل بعدوانه ونزول شبهه إِن اعترضت فِي قلب من لم يكن علم الحَدِيث من شَأْنه وَأَعُوذ بِاللَّه من الرِّيَاء والإعجاب وأسأله التَّوْفِيق لإدراك الْحق وَالصَّوَاب
قَالَ أَنبأَنَا القَاضِي أَبُو عمر الْقَاسِم بن جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد الْهَاشِمِي ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد ابْن أَحْمد الْأَثْرَم ثَنَا حميد بن الرّبيع ثَنَا يُونُس بن بكير أَخْبرنِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة عَن أَبِيه عَن عَوْف بن مَالك رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول إِن أَمَام الدَّجَّال سِنِين خوادع يكثر فِيهَا الْمَطَر ويقل فِيهَا النبت ويؤمن فِيهَا الخائن ويخون فِيهَا الْأمين ويكذب فِيهَا الصَّادِق وَيصدق فِيهَا الْكَاذِب وَيتَكَلَّم فِيهَا الرويبضة فَسئلَ مَا الرويبضة قَالَ من لَا حسب لَهُ وَلَا يؤبه لَهُ
1 / 27
فقد شاهدنا مَا كُنَّا قبل نَسْمَعهُ ووصلنا إِلَى الزَّمَان الَّذِي كُنَّا نحذره ونتوقعه وَحل بِنَا مَا لم نزل نهابه ونفزعه من استعلاء الْجَاهِلين وَظُهُور الخاملين وخوضهم بجهلهم فِي الدّين وقذفهم بوصفهم الَّذِي مَا زَالُوا بِهِ معروفين السَّادة من الْعلمَاء وَالْأَئِمَّة المنزهين وبسطهم ألسنتهم بالوقيعة فِي الصَّالِحين وَإِن الذَّنب بهم ألحق والذم إِلَيْهِم أسبق والقبيح بهم ألصق وَالْعَيْب بهم أليق
وَمَا سبيلهم فِيمَا قصدوه من الطَّرِيق الَّذِي سلكوه وظنهم الْكَاذِب الَّذِي يوهموه وَقَوْلهمْ الْبَاطِل إِذْ أذاعوه إِلَّا مَا أخبرنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن رزق الْبَزَّاز قَالَ أنشدنا أَحْمد بن كَامِل قَالَ أنشدنا أَبُو يزِيد أَحْمد بن روح الْبَزَّاز قَالَ أنشدنا عبيد بن مُحَمَّد الْعَبْسِي فِي ابْنه
حسدوا الْفَتى إِذْ لم ينالوا سَعْيه
فَالنَّاس أضداد لَهُ وخصوم ... كضرائر الْحَسْنَاء قُلْنَ لوجهها
حسدا وبغيا إِنَّه لذميم ... وَترى اللبيب محسدا لم يجترم
شتم الرِّجَال وَعرضه مشتوم
وَأخْبرنَا ابْن رزق أَيْضا قَالَ أنشدنا أَحْمد بن كَامِل قَالَ أنشدنا الْحَارِث بن مُحَمَّد بن أبي أُسَامَة قَالَ أنشدنا عَليّ بن مُحَمَّد المدايني
إِن الغرانيق نلقاها محسدة ... وَلَا نرى للئام النَّاس حسادا
1 / 28
بعض مزايا الشَّافِعِي
فَمثل الشَّافِعِي من حسد وَإِلَى ستر معالمه قصد ﴿ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره﴾ وَيظْهر بفضله من كل حق مستوره وَكَيف لَا يغِيظ من حَاز الْكَمَال بِمَا جمع الله تَعَالَى لَهُ من الْخلال اللواتي لَا ينكرها إِلَّا ظَاهر الْجَهْل أَو خَارج عَن حد التَّكْلِيف لذهاب الْعقل
مِنْهَا جزيل حَظه من الْأَدَب وجلالة محتده فِي النّسَب الَّذِي سَاوَى بِهِ فِي الحكم بني عبد الْمطلب
ثمَّ لما كَانَ عَلَيْهِ من قُوَّة الدّين وَحسن الطَّرِيقَة عِنْد الموافقين والمخالفين
وَحفظه لكتاب ربه ومعرفته بواجبه وندبه وتصرفه فِي سَائِر أَنْوَاع علمه مِمَّا يعجز غَيره عَن بُلُوغ فهمه
وفقهه بالسنن المنقولة وبصره بالصحاح مِنْهَا والمعلولة وَكَلَامه فِي الْأُصُول وَحكم الْمُرْسل والموصول وتمييز وُجُوه النُّصُوص وَذكر الْعُمُوم وَالْخُصُوص وَهَذَا مَا لم يدْرك الْكَلَام فِيهِ أَبُو حنيفَة وَلَا غَيره من متقدميه ... تِلْكَ المكارم لَا قعبان من لبن ... شيبا بِمَاء فعادا بعد أبوالا ...
ثمَّ تَركه التَّقْلِيد لأهل الْبَلدة وإيثاره مَا ظهر دَلِيله وَثبتت بِهِ الْحجَّة
1 / 29
مَعَ اتِّخَاذه الْيَد الْعَظِيمَة وتقليده المنن الجسيمة كَافَّة أهل الْآثَار ونقلة الْأَحَادِيث وَالْأَخْبَار بِتَوْقِيفِهِ إيَّاهُم على مَعَاني السّنَن وتنبيههم وقذفه بِالْحَقِّ على بَاطِل أهل الرَّأْي وتمويههم فنشلهم الله تَعَالَى بِهِ بعد أَن كَانُوا خاملين وَظَهَرت كلمتهم على من سواهُم من ساير الْمُخَالفين ودمغوهم بواضحات الدلايل والبراهين حَتَّى ظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين
ثَنَاء الْأَئِمَّة على الشَّافِعِي
أَبُو نعيم أَحْمد بن عبد الله الْحَافِظ ثَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن ابراهيم بن عَليّ قَالَ سَمِعت الْخضر بن دَاوُد يَقُول سَمِعت الْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي يَقُول قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن إِن تكلم أَصْحَاب الحَدِيث يَوْمًا فبلسان الشَّافِعِي يَعْنِي لما وضع كتبه
قَرَأت على مُحَمَّد بن أَحْمد بن يَعْقُوب عَن مُحَمَّد بن نعيم النَّيْسَابُورِي قَالَ سَمِعت أَبَا زَكَرِيَّا يحيى بن مُحَمَّد الْعَنْبَري يَقُول سَمِعت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن سَالم ابْن عبد الله بن عمر بن الْخطاب يَقُول سَمِعت الْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي يَقُول كَانَ أَصْحَاب الحَدِيث رقودا حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِي فأيقظهم فتيقظوا
حَدثنِي أَبُو رَجَاء هبة الله بن مُحَمَّد بن عَليّ الشِّيرَازِيّ فِي مجْلِس أبي الْحُسَيْن بن بَشرَان ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن عمر التَّمِيمِي ثَنَا أَبُو الْقَاسِم بن رَاشد الدينَوَرِي ثَنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن القَاضِي ثَنَا الْفضل بن
1 / 30
زِيَاد قَالَ سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول مَا أحد مس بِيَدِهِ محبرة وَلَا قَلما إِلَّا وَللشَّافِعِيّ فِي رقبته منَّة
فَهَذَا قَول سيد أَصْحَاب الحَدِيث وَأَهله وَمن لَا يخْتَلف الْعلمَاء فِي ورعه وفضله ويحق لَهُ ذَلِك وَقد كَانَ أحد تلاميذ الشَّافِعِي وَمن أَعْيَان أَصْحَابه وَأكْثر النَّاس مُلَازمَة لَهُ وأشدهم حرصا على سَماع كتبه وأحضهم لِلْخلقِ على حفظ علمه وَمن شكره للشَّافِعِيّ قَالَ هَذَا القَوْل وَمن لم يشْكر النَّاس لم يشْكر الله ﷿
1 / 31
فَفِي بعض مَا ذكرنَا من معالم الشَّافِعِي مَا يُوجب الْحَسَد وَالْكذب عَلَيْهِ
وَمَا الَّذِي يضرّهُ ويقدح فِيهِ من جهل عدوه ومناوئيه مَعَ تولي رب الْعَالمين لنصرته وإرادته فِي السَّابِق إِظْهَار كَلمته ... أَبى الله إِلَّا رَفعه وعلوه ... وَلَيْسَ لما يعليه ذُو الْعَرْش وَاضع ...
وَمَا يتَعَدَّى الْحَاسِد فعله وَلَا يضر كَيده إِلَّا نَفسه
أَنا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ بن مُحَمَّد الْجَوْهَرِي قَالَ أَنا أَبُو عبيد الله مُحَمَّد بن عمرَان بن مُوسَى بن المرزباني ثَنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي سعيد الْبَزَّاز قَالَ أَنا أَحْمد بن أبي طَاهِر قَالَ حَدثنِي حبيب بن أَوْس قَالَ قَالَ رجل لِابْنِهِ يَا بني إياك والحسد فَإِنَّهُ يتَبَيَّن فِيك وَلَا يتَبَيَّن فِي عَدوك وَلَو أَن رعاع التبع وَأسرى حبالة الطمع شغلتهم عيوبهم وأهمتهم ذنوبهم وأعينوا من الله بالتوفيق وَحسن البصيرة لأسقط أهل الْعلم عَن أنفسهم مؤنا كَثِيرَة من تكلفهم إِزَالَة أكاذيبهم وكشفهم شبه زخارفهم وأعاجيبهم لَكِن لم يرد الله بهم خيرا فخذلهم وَعَن دفع الْحق بِالْبَاطِلِ الَّذِي لَا يَنْفَعهُمْ شغلهمْ وَنحن نَعُوذ بِاللَّه من غَضَبه وخذلانه ونسأله التَّوْفِيق لما يُؤَدِّي إِلَى رَحمته ورضوانه
أَخْبرنِي بكر بن أبي الطّيب الجرجرائي ثَنَا مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُفِيد ثَنَا عبد الصَّمد بن مُحَمَّد قَالَ سَمِعت أَبَا تُرَاب النخشبي يَقُول إِذا ألف الْقلب الْإِعْرَاض عَن الله صَحبه الوقيعة فِي أَوْلِيَاء الله
أَنبأَنَا عبد الْعَزِيز بن أبي الْحسن القرميسيني ثَنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابراهيم بن كثير ثَنَا الْفَيْض بن اسحق قَالَ سَمِعت الفضيل بن عِيَاض يَقُول تَكَلَّمت فِيمَا لَا يَعْنِيك فشغلك عَمَّا يَعْنِيك وَلَو شغلك مَا يَعْنِيك
1 / 32
تركت مَا لَا يَعْنِيك
وَلنْ يخلي الله ﷿ كل عصر آنف بعد سالف إِلَى آخر الدَّهْر من دَافع للكذب بِالصّدقِ ودامغ للباطل بِالْحَقِّ يُجَاهد فِي الله بفعاله ويحتسب مَا عِنْد الله بمقاله متيقنا أَن مذْهبه القويم وسبيله هُوَ السَّبِيل الْمُسْتَقيم ﴿ليهلك من هلك عَن بَيِّنَة وَيحيى من حَيّ عَن بَيِّنَة وَإِن الله لسميع عليم﴾
أَنبأَنَا أَبُو بكر أَحْمد بن غَالب الْفَقِيه ثَنَا مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الخزاز ثَنَا أَبُو عبيد بن حربويه ثَنَا الْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي ثَنَا يزِيد بن هَارُون قَالَ أَنبأَنَا شُعْبَة عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ لَا يزَال نَاس من أمتِي يُقَاتلُون على الْحق ظَاهِرين حَتَّى يَأْتِيهم أَمر الله وهم على ذَلِك
أَنبأَنَا أَبُو نعيم الْحَافِظ ثَنَا سُلَيْمَان بن أَحْمد الطَّبَرَانِيّ ثَنَا أسلم بن سهل الوَاسِطِيّ ثَنَا تَمِيم بن الْمُنْتَصر قَالَ لما حدث يزِيد بن هَارُون بِحَدِيث شُعْبَة عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه قَالَ يزِيد إِن لم يَكُونُوا أهل لحَدِيث والأثر فَلَا أَدْرِي من هم
أَنبأَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن صَالح الْمقري بأصبهان قَالَ أنبأ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن حَيَّان ثَنَا اسحق بن أَحْمد الْفَارِسِي ثَنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ ثَنَا ابْن أبي أويس ثَنَا ابْن أبي الزِّنَاد عَن مُوسَى بن عقبَة عَن أبي الزبير قَالَ سَمِعت جَابِرا يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
1 / 33
وَسلم يَقُول لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي يُقَاتلُون على الْحق ظَاهِرين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
1 / 34
قَالَ أَبُو عبد الله البُخَارِيّ يَعْنِي أهل الحَدِيث
كل طَائِفَة وَإِن كَانَت تتأول أَن هَذَا الحَدِيث وَارِد فِيهَا دون غَيرهَا مِمَّن خالفها فَإِنَّهَا لَا تنكر أَن أَشد النَّاس نظرا فِي حَال الْمَنْقُول واهتماما بِأُمُور الْأَسَانِيد المؤدية عَن الرَّسُول ﷺ أَصْحَاب الحَدِيث لأَنهم الْعَالمُونَ بأسماء الرِّجَال وَأهل الْعِنَايَة بالبحث عَن الْأَحْوَال
1 / 35
وذووا الْمعرفَة بِالْجرْحِ وَالتَّعْدِيل والحافظون طرق الصَّحِيح والمعلول اجتهدوا فِي تعلم ذَلِك وَضَبطه وأتعبوا أنفسهم فِي سَمَاعه وَحفظه وفنيت فِيهِ أعمارهم وبعدت فِيهِ أسفارهم واستقربوا لَهُ الشقة الْبَعِيدَة وهونوا لأَجله الْمَشَقَّة الشَّدِيدَة حَتَّى علمُوا بِتَوْفِيق الله لَهُم صَحِيح الْآثَار ومنكر الرِّوَايَات وَالْأَخْبَار وَعرفُوا أهل النَّقْل من مَجْرُوح وَعدل ومتقن وحافظ وصدوق وَصَالح ولين وَضَعِيف وساقط ومتروك فنزلوا الروَاة مَنَازِلهمْ وميزوا أَحْوَالهم ومراتبهم ودونوا من الْأَحَادِيث صحيحها ونبهوا على باطلها وموضوعها وَكَانَ من أحْسنهم مذهبا فِيمَا أَلفه وأصحهم اخْتِيَارا لما صنفه مُحَمَّد بن اسماعيل البُخَارِيّ هذب مَا فِي جَامعه جمعه وَلم يأل عَن الْحق فِيمَا أودعهُ غير أَنه عدل عَن كثير من الْأُصُول إيثارا للإيجاز وَكَرَاهَة للتطويل وَإِن كَانَ قد عني عَن الْمَتْرُوك بأمثاله وَدلّ على مَا هُوَ من شَرطه بأشكاله وَلم يكن قَصده وَالله أعلم اسْتِيعَاب طرق الْأَحَادِيث كلهَا مَا صَحَّ إِسْنَاده وَإِنَّمَا جعل كِتَابه أصلا يؤتم بِهِ ومثالا يستضاء بمجموعه وَيرد مَا شَذَّ عَنهُ إِلَى الِاعْتِبَار بِمَا هُوَ فِيهِ
وَيدل على ذَلِك مَا أخبرنَا أَبُو سعد أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَالِينِي قَالَ أَنبأَنَا عبد الله بن عدي الْحَافِظ قَالَ سَمِعت الْحسن بن الْحُسَيْن البُخَارِيّ يَقُول سَمِعت إِبْرَاهِيم بن معقل يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ يَقُول مَا أدخلت فِي كتابي الْجَامِع إِلَّا مَا صَحَّ وَتركت من الصِّحَاح لحَال الطوَال
وأنبأنا أَبُو سعد أَيْضا قَالَ أَنبأَنَا عبد الله بن عدي قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن أَحْمد القومسي قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن حمدوية يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول أحفظ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح وأحفظ مِائَتي ألف حَدِيث غير صَحِيح
1 / 36
وجامع البُخَارِيّ إِنَّمَا يشْتَمل على أُلُوف يسيرَة من الْأُصُول
وَأَحْسبهُ أَرَادَ بقوله أحفظ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح طرق الْأَخْبَار من المرفوعة والموقوفة وأقوال التَّابِعين وَمن بعدهمْ جعل كل طَرِيق مِنْهَا حَدِيثا لَا أَنه أَرَادَ الْأُصُول حسب
وَأي ذَلِك كَانَ مُرَاده فقد بَين أَن فِي الصِّحَاح مَا لم يشْتَمل عَلَيْهِ كِتَابه وَلم يحوه جَامعه
وكمثل مَا فعل فِي الْأَحَادِيث فعل فِي الرِّجَال فَإِن كتاب التَّارِيخ الَّذِي صنفه تشْتَمل أَسمَاء الرِّجَال الْمَذْكُورَة فِيهِ على أُلُوف كَثِيرَة فِي الْعدَد وَأخرج فِي صَحِيحه عَن بعض الْمَذْكُورين فِي تَارِيخه
وسبيل من ترك الْإِخْرَاج عَنهُ سَبِيل مَا ترك من الْأُصُول
1 / 37
إِمَّا أَن يكون الرَّاوِي ضَعِيفا لَيْسَ من شَرطه أَو يكون مَقْبُولًا عِنْده غير أَنه عدل عَنهُ اسْتغْنَاء بِغَيْرِهِ وَالله أعلم
فصل سَبَب ترك البُخَارِيّ إِخْرَاج الحَدِيث عَن طَرِيق الشَّافِعِي
وَالَّذِي نقُول فِي تَركه الإحتجاج بِحَدِيث الشَّافِعِي إِنَّمَا تَركه لَا لِمَعْنى يُوجب ضعفه لَكِن غَنِي عَنهُ بِمَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ وَذَلِكَ أَن أقدم شُيُوخ الشَّافِعِي الثِّقَات الَّذين روى عَنْهُم مَالك بن أنس وَعبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي وَدَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار وسُفْيَان بن عُيَيْنَة
وَالْبُخَارِيّ لم يدْرك الشَّافِعِي وروى عَن من كَانَ أكبر مِنْهُ سنا وأقدم مِنْهُ سَمَاعا مثل مكي بن إِبْرَاهِيم الْبَلْخِي وَعبيد الله بن مُوسَى الْعَبْسِي وَأبي عَاصِم الشَّيْبَانِيّ وَمُحَمّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَخلق يطول ذكرهم
وَهَؤُلَاء الَّذين سميتهم رووا عَن بعض التَّابِعين
وحدثه أَيْضا عَن شُيُوخ الشَّافِعِي جمَاعَة كَعبد الله بن مسلمة القعْنبِي وَعبد الله بن يُوسُف
1 / 38
التنيسِي وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَعبد الْعَزِيز الأويسي وَيحيى بن قزعة وَأبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن وخَالِد بن مخلد وَأحمد بن يُونُس وقتيبة بن سعيد
وَهَؤُلَاء كلهم رووا عَن مَالك وَمِنْهُم من روى عَن الدَّرَاورْدِي وكسعيد بن أبي مَرْيَم الْمصْرِيّ وَأبي غَسَّان النَّهْدِيّ وَعبد الله بن الزبير الْحميدِي وَعلي بن الْمَدِينِيّ
وَهَؤُلَاء رووا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَفِيهِمْ من يحدث عَن دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار
وَغير من ذكرت أَيْضا مِمَّن أدْرك شُيُوخ الشَّافِعِي قد كتب عَنهُ البُخَارِيّ
فَلم ير أَن يروي عَنهُ حَدِيثا عَن رجل عَن الشَّافِعِي عَن مَالك وَقد حَدثهُ بِهِ غير وَاحِد عَن مَالك كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي مَعَ كَون الَّذِي حَدثهُ بِهِ أكبر من الشَّافِعِي سنا وأقدم سَمَاعا
1 / 39
إعتراض البُخَارِيّ روى فِي صَحِيحه حَدِيثا نازلا وَهُوَ عِنْده عَال
فَإِن قيل فقد أورد البُخَارِيّ فِي صَحِيحه نازلا حَدِيثا كَانَ عِنْده عَالِيا وَهُوَ حَدِيث مدعم رَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك وَرَوَاهُ أَيْضا عَن عبد الله بن مُحَمَّد المسندي عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي اسحق الْفَزارِيّ عَن مَالك وَهَذَا الحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ
وَلَا شكّ أَن البُخَارِيّ قد سَمعه من غير وَاحِد من أَصْحَاب مَالك إِذْ كَانَ قد لَقِي جمَاعَة مِمَّن روى لَهُ الْمُوَطَّأ عَن مَالك
1 / 40
فأعظم مَا فِي الْبَاب لَو روى عَن رجل عَن الشَّافِعِي عَن مَالك أَن يكون قد نزل عَن عالي حَدِيثه دَرَجَة وَهُوَ فِي الإعتبار أَعلَى من حَدِيث أبي إِسْحَق الْفَزارِيّ الَّذِي أخرجه بِدَرَجَة لِأَن بَينه وَبَين مَالك من طَرِيق الشَّافِعِي لَو أخرجه رجلَيْنِ وَمن طَرِيق الْفَزارِيّ ثَلَاثَة
وَهَذَا يدل عَن خلاف مَا ذكرت وينقض مَا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَاب اعتمدت
البُخَارِيّ لم يرو نازلا وَهُوَ عِنْده عَال إِلَّا لِمَعْنى
إِن البُخَارِيّ لم يرو فِي الصَّحِيح حَدِيثا نازلا وَهُوَ عِنْده عَال إِلَّا لِمَعْنى فِي النَّازِل لَا يجده فِي العالي أَو يكون أصلا مُخْتَلفا فِيهِ فيذكر بعض طرقه عَالِيا ويردفه بِالْحَدِيثِ النَّازِل مُتَابعَة لذَلِك القَوْل فَأَما أَن يُورد الحَدِيث النَّازِل وَهُوَ عِنْده عالي لَا لِمَعْنى يخْتَص بِهِ وَلَا على وَجه الْمُتَابَعَة لبَعض مَا اخْتلف فِيهِ فَغير مَوْجُود فِي الْكتاب
وَحَدِيث أبي اسحق الْفَزارِيّ فِيهِ بَيَان الْخَبَر وَهُوَ مَعْدُوم فِي غَيره وَأَنا أسوقه ليوقف على صِحَة مَا ذكرته
أَنبأَنَا القَاضِي أَبُو بكر أَحْمد بن الْحسن بن أَحْمد الْحَرَشِي بنيسابور ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْأَصَم ثَنَا مُحَمَّد بن اسحق الصغاني ثَنَا مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي اسحق عَن مَالك بن أنس قَالَ حَدثنِي ثَوْر أَخْبرنِي سَالم مولى ابْن مُطِيع أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة ﵁ يَقُول افتتحنا خَيْبَر فَلم نغنم ذَهَبا وَلَا فضَّة إِنَّمَا غنمنا الْإِبِل وَالْبَقر وَالْمَتَاع والحوائط ثمَّ انصرفنا مَعَ رَسُول الله ﷺ إِلَى وَادي الْقرى وَمَعَهُ عبد لَهُ يُقَال لَهُ مدعم وهبه لَهُ أحد بني الضباب فَبَيْنَمَا هُوَ يحط رَحل رَسُول الله ﷺ إِذْ جَاءَهُ
1 / 41
سهم عائر حَتَّى أصَاب ذَلِك العَبْد فَقَالَ النَّاس هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَة فَقَالَ رَسُول الله ﷺ بل وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الشملة الَّتِي أَصَابَهَا يَوْم خَيْبَر من الْمَغَانِم لم تصبها المقاسم لتشتعل عَلَيْهِ نَارا فجَاء رجل حِين سمع ذَلِك من النَّبِي ﷺ بِشِرَاك أَو بِشِرَاكَيْنِ فَقَالَ هَذَا شَيْء كنت أصبته فَقَالَ رَسُول الله ﷺ شرك أَو شراكان من نَار
فَلْينْظر كَيفَ قد جود أَبُو اسحق رِوَايَة هَذَا الحَدِيث وَحكى فِيهِ سَماع مَالك من ثَوْر بن زيد وَسَمَاع ثَوْر من سَالم وَسَمَاع سَالم من أبي هُرَيْرَة
وَأما أَصْحَاب مَالك عبد الله بن وهب ومعن بن عِيسَى وَأَبُو قُرَّة مُوسَى بن طَارق وَمُحَمّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي وَمُحَمّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ وَعبد الله بن مسلمة القعني وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَسَعِيد بن كثير بن عفير وَأَبُو مُصعب أَحْمد بن أبي بكر الزُّهْرِيّ وَمصْعَب بن
1 / 42