وأما عن المشهد الأول من الفصل الثالث، فلا أعتبره طويلا بل لعل الأصلح أن يكون أطول من ذلك لولا رغبتي في الإيجاز، وإخراج القصة في ثلاثة فصول قصيرة فقط. وسبب ذلك أن مسافة الزمن بين الفصلين الثاني والثالث هي زهاء خمس سنوات وقعت في خلالها حوادث تهم أمين بك، ولا غنى له عن الإشارة إليها والاسترشاد بوفاء خادمه القديم الحاج رضوان. وبغير هذا المشهد تتفكك القصة ولا تطابق الوصف النثري مع أني حرصت بطبيعة الحال على هذه المطابقة إما تمثيلا أو إشارة، وأعتقد أنه لم يفتني شيء من هذا القبيل. (3) الفرق المنشدة
وأما عن اهتمام الأستاذ حماد بالفرق المنشدة، فأوافق عليه في حدود، ولا أوافق عليه في مواقف مثل هذه الأوپرا التي للدرامة النفوذ الأول بها، ولا ترتضيها نزعتي المحافظة على صحة التاريخ وصحة الصورة الاجتماعية بقدر الاستطاعة. وإني لم أنس ولم أتناس إراحة المغنين والمغنيات فاكتفيت بالإيجاز وأسلوب الحوار، وما أعتقد أن هذه المواقف أطول من نظيراتها في كثير من الأوپرات الغربية. وأين التعب للمغني المتفوق أو المغنية الممتازة في مثل هذا الجهد إذا قورن بالصياح الفظيع نصف ساعة مثلا على تخت، مرددين بمختلف الأنغام وفي أنفاس طويلة ما لا جدوى منه ولا فن فيه من أبيات أو كلمات سقيمة أو طقطوقة؟!
وأغلب ظني أن الأستاذ حمادا ما كان يتأثر بهذه النقطة لو قدر أن الفرق المنشدة وزخرف الملابس والمناظر، أصبحت تعد من خصائص الاستعراضات (Revues)
والهزليات الموسيقية (Musical Comedies)
غالبا، كما أصبحت الدرامة تعد قرينة للأوپرا، فقامت حركة الإصلاح أخيرا على العناية بالدرامة وبلباب الموضوع بالتعاون مع الموسيقى والغناء، وعلى طرح المظاهر الفارغة التي جعلت من الأوپرا قديما سوقا للاستهواء لا مدرسة للتهذيب الفني، حتى كان الوقت الذي أخذ فيه الأدباء المفكرون في أوروبا - لا سيما في النمسا - يحتقرون الأوپرا ويؤثرون الدرامة البحتة عليها، وما زال أثر هذا الشعور باقيا، فلو قدر الأستاذ حماد هذه النقطة وقصر انتقاده على نزعتي التجديدية التي خلقت رواية أقرب إلى ميول الأوساط المتعلمة الأوروبية لكان لنقده شيء من الرجاحة، ولكنت اقتصرت على إجابته بأنه من مصلحتنا الأدبية إجراء هذه التجربة في مصر أيضا.
بقي لمدير الفرقة التمثيلية إن كان مقيدا لجوقة منشدة أن يسأل في حق: ماذا يفعل بها؟ والجواب سهل، فرواية كهذه لا تمثل كل ليلة، وعلى فرض تمثيلها باطراد فمن السهل أن تسبقها أوپرا صغيرة في فصل واحد مثل أوپرا (أبو حسن
Abu Hassan ) من وضع هيمر (Hiemer) ، وتلحين كارل ماريا (Carl Maria)
ووبر (weber)
وأضرابها، ومن الميسور أن يقوم بمثل هذه الأوپرا الهزلية الصغيرة أفراد الفرقة المنشدة دون الالتجاء إلى أحد من كبار الممثلين المغنين لتمثيل (إحسان). وبذلك تعرض في الليلة الواحدة أوپرتان متنوعتان: إحداهما هزلية والأخرى درامية، وما أشك في أن ذلك يعود على المسرح بفائدة جزيلة. (4) النظم
وأما عن بحور القصة فهي مختلفة منوعة، ومن عادتي غالبا - كما أشرت سالفا - أن أنظم متغنيا، فنظمي نتيجة ميلي الغنائي، وليست العبرة بطول البحور أو قصرها، وإنما بمناسبتها للمواقف وبجريان الألحان بسلاسة وعذوبة عند إنشادها. ونسبة البحور الطويلة في القصة عند مقارنتها بغيرها ضئيلة على كل حال. وإذا تأملنا مبدأها مثلا وجدناها مستهلة ببحر الكامل، وهو من ألطف البحور الغنائية في الشعر العربي وكثيرا ما أبدع فيه المرحوم الشيخ سلامة حجازي وكذلك الشيخ إبراهيم الأسكندري والسيدة منيرة المهدية والشيخ أحمد الشامي، وسواهم من مشاهير المغنين والمغنيات على خشبة المسرح. (5) المعاني الشعرية
Page inconnue