La Vérité Rétablie

Nourallah Toustari d. 1019 AH
51

يبغضونه فأخذوا عليه الشهود أنه زنا وآتوا عمر فأحضره من الكوفة فشهد عليه واحد منهم فقال عمر لمغيرة قد ذهب ربعك فلما شهد اثنان قال قد ذهب نصفك فلما شهد الثالث قال قد ذهب ثلاثة أرباعك فلما بلغ نوبة الشهادة إلى الرابع أدى الشهادة بهذه الصيغة إني رأيته مع المرأة في في ثوب ملتحفين به وما رأيت العضو في العضو كالمرود في المكحلة فسقط الحد عن المغيرة فقال المغيرة يا أمير المؤمنين انظر كيف كذبوا علي فقال عمر اسكت فلو تم الشهادة لكان الحجر في رأسك هذا رواية الثقاة ذكره الطبري في تاريخه بهذه الصورة وذكره البخاري في تاريخه وابن الجوزي وابن الخلكان وابن كثير وساير المحدثين وأرباب التاريخ في كتبهم وعلى هذا الوجه هل يلزم طعن وأما على رواياته فليس فيه طعن أيضا لأنه إن لوح إلى الشاهد بترك الشهادة فهذا مندوب إليه لأن الإمام يجب عليه در الحد بالشبهات وله أن يندب الناس بإخفاء المعاصي كيف لا وقد قال الله تعالى إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب شديد الآية وأما تفضيح الثلاثة لأنهم فضحوا أميرا من امرأ الإسلام وكان عمر يعرف غرضهم ومع ذلك أجرى عليهم حد القذف فلا طعن انتهى وأقول الرواية التي نسبها إلى المعتمدين إنما هي من مخترعاته لأنه سيذكر أنه نقله من تاريخ الطبري وأنا أحلف بالإيمان المغلظة إنه لم ير تاريخ الطبري الشافعي المعتبر بين علماء أهل السنة الذي وصفوه بأنه عشرين مجلدات ولعله أراد التاريخ الفارسي المتداول المشهور بين الناس بأنه تاريخ الطبري ولا اعتداد به يؤيد كذبه في نسبة هذه الرواية إلى المعتمدين أنه نسب ذكره إلى تاريخ ابن خلكان أيضا وذلك التاريخ خال عن ذكر أحوال الصحابة وإنما فيه من بعدهم ولهذا سماه بوفيات الأعيان على أنه لو كان هناك رواية أحق بالاعتبار مما نقله المصنف لذكرها قاضي القضاة وتكلم على رواية المصنف ولم يحتج إلى تأويل الرواية بما لا يسمن ولا يغني من جوع وأما ما ذكره من أن الإمام يجب عليه در الحد بالشبهات ففيه أن المراد بالشبهة التي تدر بها الحدود هو الاشتباه الذي ربما يحصل لفاعل الفعل المشتبه بالحرام كما إذا وطئ رجل امرأة أجنبية كانت نائمة مع زوجته في ليلة مظلمة ولم يعلم بذلك فاشتبه عليه الحال ولم ينقل عن مغيرة دعوى شبهة محتملة في ذلك وشبهة عمر في أن ذلك الفعل هل وقع من المغيرة أولا مدخل له في در الحد في ربط لذكر در الحد بالشبهات بهذا المقام والاستدلال به على أن منع الشاهد كان مندوبا إليه وأما قوله وله أن يندب الناس بإخفاء المعاصي فغير مسلم وإلا لانسد باب الجرح والتعديل ولصاروا الناس عن كيد الفساق في عويل وكتب أسماء الرجال كميزان الاعتدال وغيره مما اشتمل على الجرح والتعديل أقوى شاهد على ما ذكرنا وأتم دليل وأما استدلال الناصب على ندبية إخفاء المعاصي بقوله تعالى إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة الآية فلا يتم إلا إذا علم أن الجماعة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا لم يشهدوا عليه بذلك محبة لله تعالى وقصدا إلى إقامة حدوده وحفظا للمسلمين عن كنود ذلك الكنود والاقتداء به في الصلاة والسجود بل فعلوا ذلك بمجرد حب شيوع الفاحشة والتورط في المعاداة والمناقشة ومن أين علم عمر أو هذا الشقي من أولياءه أن الشهود كانوا على الوجه الثاني دون الأول وأما قوله إن تفضيح الشهود الثلاثة إنما كان لتفضيحهم أميرا من الأمراء الإسلام فهو كلام في غاية الفضاضة والشناعة لأن تفضيح أمير من امرأ الإسلام إنما يكون منكرا لو كان على وجه يخالف قانون الإسلام وظاهر حال الشهود الأربعة وموافقتهم على الشهادة أولا إنهم كانوا قاصدين لإقامة حدود الله وأحكامه كما هو ظاهر حال ساير الشهود فلا ذنب على الثلاثة منهم لو خالفهم الشاهد الرابع بتعليم عمر وأما قوله وكان عمر يعرف غرضهم فمن قبيل الرجم بالغيب والرمي في الظلام بل فيه إثبات علم الغيب لعمر مع نفيه سابقا عما سوى الله تعالى فتذكر ثم لا يخفى أن الناصب أغمض عن جواب ما نقله المصنف عن عمر آخرا من أنه كلما كان رأي المغيرة قال خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء لأنه صريح في اقتضاء التندم والتأسف على تفريط وقع عنه في در الحد عن مغيرة ولا مجال للتأويل فيه فتأمل قال المصنف رفع الله درجته ومنا إنه كان يتلون في الأحكام حتى روى أنه قضى في الحد بسبعين قضية وروى مائة قضية وإنه كان يفضل في الغنيمة والعطاء وقد سوى الله تعالى بين الجميع وأنه قال في الأحكام من جهة الرأي والحدس والظن انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول أما تلونه في الأحكام فإن صح فإنه من باب تغير الاجتهادات وهو كان إماما ولم يتقرر الأحكام الاجتهادية بعد في زمانه وقد علم علما يقينا إنه كان لا يعمل برأي إلا بمشاورة الصحابة وأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه قد كان بتغير اجتهاده كما في أم الولد أنه قال اجتمع رأيي ورأي عمر في أم الولد أن لا تباع وأنا اليوم أقول ببيعهن والمجتهدون لا يخلون عن هذا وأما التفضيل في العطاء فهذا أمر يتعلق برأي الإمام والنبي (ص) أعطى صناديد العرب في غنايم حنين مائة واعترض عليه ذو الخويصرة الخارجي كما يعترض هذا الرافضي على عمر وأما الأحكام من جهة الرأي والحدس والظن فهو من شأن المجتهد والفقه من باب الظنون انتهى وأقول يتوجه عليه أولا ما مر أنه لا يجوز على الإمام الاجتهاد كما لا يجوز على النبي (ص) فضلا عن الخطأ فيه ولو سلم فإنما يصح في حكم لا يكون فيه عمر منصوص من الله ورسوله فإن الواجب في حد الشرب بمقتضى النص أربعون ضربة إن كان الشارب المكلف حرا وإلا فنصفه وكذا الحكم في الغنيمة فإن مراد المصنف من التفضيل في الغنيمة والعطاء الذي فعله خلافا على الله ورسوله هو التفضيل العرب العجم والمهاجر على الأنصار من حيث هو عرب ومن حيث هو مهاجرا وما سيذكره المصنف من أن النبي (ص) أعطى صناديد العرب في غنايم حنين مائة مائة لم يكن من إحدى تينك الحيثيتين بل لم يكن هناك تفضيل من رسول الله (ص) لما روي أنه (ص) أعطى صناديد قريش ما أعطى ولم يعط أحدا من المهاجرين والأنصار وإعطاؤه للمؤلفة أيضا كان من هذا القبيل لا لقصد التفضيل وأما ما ذكره من أن عمر كان لا يعمل برأي إلا بمشاورة الصحابة فهو مما يكذبه ما مر من حكمه برجم المجنونة والحاملة خطأ من غير تدبر ومشورة بأحد وليقل الناصب إن تفضيل العرب على العجم والمهاجر على الأنصار المخالف لسيرة رسول الله (ص) بمشورة أي صحابي كان وأما ما ذكره من أن أمير المؤمنين (ع) كان قد يتغير اجتهاده كما في أم الولد إلى آخره فمدفوع بما مر من أن الإمام لا يجوز عليه الاجتهاد فضلا عن تغير اجتهاده وخطائه فيه فلو وقع في ذلك خبر كان من موضوعات زمان بني أمية ولو صح فهو محمول على أن الحكم المذكور كان من مفردات عمر فلما وصلت النوبة إلى علي (ع) أراد تغييره جعل نفسه شريكا مع عمر في ذلك الحكم السابق حتى لا ينكر عليه

Page 242