قال تبارك وتعالى بعد أن نبأ عنهم في الجملة ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ثم أمره بمشورتهم ليصل بما يظهر منهم إلى علم باطنهم فإن الناصح يبدوا نصيحته في مشورته والغاش المنافق يظهر ذلك في مقالته فاستشارهم (ص) لذلك ولأن الله تعالى جعل مشورتهم الطريق إلى معرفتهم ألا ترى أنهم لما أشاروا ببدر عليه في الأسرى فصدرت مشورتهم عن؟؟؟ مشوبة في نصيحتهم كشف الله تعالى ذلك وذمهم عليه وأبان عن إذعانهم فيه فقال جل قائلا ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فوجه التوبيخ إليهم والتعنيف على رأيهم وأبان لرسول الله (ص) عن حالهم فعلم أن المشورة لهم لم يكن للفقر إلى آرائهم وإنما كانت لما ذكرنا هذا وأما ما روى عن النبي (ص) من أنه قال بزعمهم في يوم بدر لو نزل علينا عذاب ما نجا منه إلا عمر فهو من جملة موضوعاتهم كما بينه صاحب كتاب الاستغاثة في بدع الثابتة حيث قال لا أظن عند ذوي الفهم أجهل ولا أضل ولا أعمى قلبا ممن استجاز رواية هذا واستحسن نقله بينهم إذ كان ذلك يوجب هلاك الرسول بالعذاب ونجاة ابن الخطاب الذي يقول لولا علي لهلك عمر ولولا معاذ لهلك عمر فكيف يسلم من الهلكة من كان بزعمهم هلك بالعذاب دونه. مع هذا فمن قولهم المنكر من أن أبا بكر أفضل من عمر فقد أوجبوا هلاكه لو نزل العذاب ونجاة عمر فالذي كان يسلم وينجو من العذاب لو نزل يجب أن يكون أفضل ممن؟؟؟ به وهذا الخبر يوجب أن يكون عمر أفضل من الرسول ومن أبي بكر وجميع الخلق فلما كان أولياءهما مخالفين له في تفضيل أبي بكر عليه كانوا قد صرحوا بتكذيب علمائهم المتحرضين لهم هذا الخبر وما يشاكله من أخبار الملحدين ولا يبعد الله إلا من ظلم وقال بما لا يعلم وأما الثامن عشر فلأن ما ذكره من حديث لو كنت متخذا خليلا إلى آخره مع أنه ليس بمتفق عليه مدفوع بما مر من دلالة كلمة لو على أنه لم يقع فكيف يقابل بما روى اتفاقا من اتخاذه (ص) لعلي (ع) أخا والأخوة أفضل من الخلة وأما التاسع عشر فلأن ما ذكره من حديث خوخة أبي بكر فليس بمتفق عليه بل قد روى من طريق أهل السنة أيضا ما يدل على نفيه وكذبه كما مر بيانه ومع هذا؟؟؟
الخوخة لا يوازي فتح الباب المتفق عليه بين الخصم والأصحاب وأما العشرون فلأن ما ذكره بقوله ثم لما أخذ الكفار في إيذاء المسلمين قام أبو بكر؟؟؟
أذية قريش والذب عن رسول الله وأنه ابتلى بلا حسنا كلها كلمات مموهة لا حقيقة لها إلا أن يريد بأعباء أذية قريش ما مر من أن نوفل بن خويلد قد أوثقه مع طلحة بحبل وعذبهما أو ما مر من أنهم صفقوه مرة ونتفوا لحيته أخرى ولا فلم يكن له قدرة على أعباء أذية قريش بمعنى مدافعته عنهم كما قصده الناصب ههنا وكذا ذبه عن رسول الله (ص) بمعنى دفع الخصم عنه بالسيف والسنان أو اليد أو الرجل بصريح لا يخفى على من تتبع الآثار اللهم إلا أن يريد بالذب عنه (ص) النظر من بعيد إلى رسول الله عند إيذاء القوم له والتماس الكف عن إيذائه كما وقع منه ذلك مرة وكذا الكلام في قوله وابتلى بلا حسنا فإن هذه العبارة إنما يستعمل في من قاتل في معركة الجهاد لا في من ينظر إيذاء النبي (ص) ويسكت ويدعي الحزن على ذلك وأما الحادي والعشرون فإن ما ذكره من أن أبا بكر كان يشتري المعذبين من الكفار واشترى بلال بن أبي رياح وفدى غيره من الصحابة إلى آخره فكلها أيضا فرية بلا مرية كما يدل عليه كلام صاحب الاستيعاب في ترجمة بلال حيث روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال كان أول من أظهر الإسلام سبعة رسول الله وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله (ص) فمنعه الله بعمه أبي كالب وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه وأما سايرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وصيروهم في الشمس فما منهم إنسان إلا وقد أتاهم على ما أرادوا إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه وكانوا يطوفون به والحبل في عنقه الخ فإن هذه الرواية صريحة في أن أبا بكر لم يشبر بلالا عن الكفار والمعذبين له بل يدل على أنه قد شراه قبل ذلك فوقع لإسلامه في عذابهم ولم يكن يقدر أبو بكر على خلاصه منهم ولو كان أبو بكر ممن فدى الصحابة المسلمين لفدى عمار وأمه أو مقداد أو صهيب ولو فدى لذكره ابن مسعود بل كلامه صريح في أنهم إنما حادوا عن عذابهم بإتيانهم بما أرادوا منهم وما رواه صاحب الإستيعاب بعد ذلك عن سعيد بن المسيب فلا وثوق به لأن سعيد كان شقيا ناصبيا كما أوضحناه سابقا وأما الثاني والعشرون فلأن ما ذكره من مصاحبة أبي بكر لرسول الله (ص) في الغار لا يدل على فضيلة لأنه (ص) قد لقيه في الطريق فاستصحبه خوفا من أن يظهر سره على الأغيار وفي هذا المعنى قال المتنبي في بعض قصايده ويستصحب الإنسان من لا يلايمه وقد ساعد على المقدمة الأولى محمد بن جرير الطبري الشافعي في الجز الثالث من تاريخه حيث روى أن أبا بكر أتى عليا فسئله عن رسول الله (ص) فأخبره أنه يلحقه بالغار من ثور وقال له إن كان لك فيه حاجة فالحقه فخرج أبو بكر مسرعا فلحق ورسول الله (ص) في الطريق سمع جرس أبي بكر في ظلمة الليل فظنه من المشركين فأسرع رسول الله (ص) في المشي فانقطع شراك نعله فانفلق إبهامه بحجر فكثر دمها وأسرع المشي وخاف أبو بكر أن يشق على رسول الله فلحقه وانطلقا ورجل رسول الله يسيل دما حتى انتهى إلى الغار الصبح انتهى وكان ذلك الدم كما قال بعض الأكابر أول دم سفك من رسول الله (ص) بعد الهجرة بجناية أبي بكر عليه ولو كان قد توصل في ذلك بإشارة يعرف بها رسول الله (ص) أنه صاحبه لما أسرع في المشي ولا خاف منه ولا جرى دمه وأما المقدمة الثانية فقد ساعد عليها أبو القاسم بن الصباغ من مشاهير علماء أهل السنة في كتاب النور والبرهان فقال في باب ما أنزل الله تعالى عن نبيه (ص) قم فأنذر واصدع بما تؤمر وما ضمن رسول الله (ص) لمن أجابه وصدقه رفع الحديث عن محمد بن إسحاق قال حسان قدمت مكة معتمرا وناس من قريش يقذفون أصحاب رسول الله (ص) فقال حسان ما هذا لفظه فأمر رسول الله (ص) عليا فنام على فراشه وخشي من ابن أبي قحافة أن يدلهم عليه فأخذه معه ومضى إلى الغار انتهى والحاصل أن آية الغار لا يوجب فضلا لأبي بكر بل هي شاهدة عليه بالنقص واستحقاق الذم وظنهم أن النبي (ص) أخذه معه للأنس به من بعض الظن فإن الله تعالى آنسه بالملائكة ووحيه وتصحيح اعتقاده أنه ينجز له جميع ما وعده وإنما أخذه لأنه لقيه في طريقه فخاف أن يظهر أمره من جهته فأخذه احتياطا في تمام سره وكيف يتوهم حصول منقبة له في حضور الغار وقد ظهر في الغار خطئه وزلله لأنه لما دخل في ذلك الحرز الحريز والمكان المصون بحيث
Page 215