ما علمنا أن أحدا كان في هذه الأمة بعد النبي (ص) أزهد من علي بن أبي طالب (ع) وروى أخطب خوارزم عن عمار بن ياسر قال سمعت رسول الله (ص) يقول يا علي إن الله تبارك وتعالى زينك بزينة لم يزين العباد بزينة هي أحب إليه من زهدك في الدنيا وبغضها إليك فحبب إليك الفقراء فرضيت بهم أطباعا ورضوا بك إماما يا علي طوبى لمن أحبك وصدق عليك والويل لمن أبغضك وكذب عليك أما من أحبك وصدق عليك فإخوانك في دينك وشكائك في جنتك وأما من أبغضك فكذب عليك فحقيق على الله أن يقيمه مقام الكذابين انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول أما زهد أمير المؤمنين فهو مسلم عند الجمهور ولو أخذنا في الحكايات الدالة على زهده مما رواه جمهور أصحابنا لطال الكتاب وهذا الرجل يزعم أن أهل السنة والجماعة ينكرون فضايل أمير المؤمنين (ع) حاشاهم عن ذلك إنما ينكر فضايل الشمس الخفافيش انتهى وأقول الكلام في الأزهدية المستلزمة للأفضلية لا في أصل الزهد الذي وصفوا به ساير فقرأ أهل الصفة حتى أبي هريرة فإن صح ما ذكره الناصب من عدم إنكار أهل السنة لذلك فنعم الوفاق قال المصنف رفع الله درجته المطلب السادس في الكرم لا خلاف في أنه (ع) كان أسخى الناس جاد بنفسه فأنزل الله في حقه ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله وتصدق بجميع ماله في عدة مرار وجاد بقوته ثلاثة أيام وكان يعمل بيده حديقة ويتصدق بها انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول جود أمير المؤمنين (ع) أشهر من سخاء البحر والسحاب وأظهر من موج القاموس بالعباب فهو أسخى من مدرار الهواطل إذا قاض على الرمال وأجود من سيل دمث بسيل بين الجبال انتهى وأقول الظاهر أن من كان أسخى من مدرار الهواطل كان أسخى من أبي بكر وعمر وعثمان وأمثالهم بمراتب لا يحصى فإن ضمن الناصب اعترافه بهذا كما يقتضيه طريق الأولى فنعم الوفاق وإلا فقد أثبت المصنف كونه أسخى على رغم أنف هذا الناصب المرتاب ولم يف كلامه بالجواب قال المصنف رفع الله درجته المطلب السابع في استجابة دعائه كان رسول الله (ص) قد استسعد به وطلب تأمينه على دعائه يوم المباهلة ولم يحصل هذا المرتبة لأحد من الصحابة ودعا (ع) على أنس بن مالك لما استشهده على قول النبي (ص) من كنت مولاه فعلي مولاه واعتذر بالنسيان فقال اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببياض لا يواريه العمامة فبرص ودعا على المغيرة بالعمى لأجل نقل أخباره إلى معاوية فعمي وردت الشمس عليه مرتين لما دعا به ودعا في زيادة الماء لأهل الكوفة لما خافوا الغرق فنقص حتى ظهرت الحيتان فكلمته إلا الجري والمارماهي والزمار وتعجب الناس من؟؟؟ وأما حسن الخلق فبلغ فيه الغاية حتى نسبه أعدائه إلى الدعابة وكذا الحلم قال رسول الله (ص) لفاطمة (ع) إني قد زوجتك من أقدم الناس سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول ما ذكر في هذا المطلب من استجابة دعاء أمير المؤمنين فهو أمر لا ينبغي أن يرتاب فيه وإذا لم يكن دعاء سيد الأولياء مستجابا فمن يستجاب له الدعاء وأما ما ذكر أن النبي (ص) استسعد بدعائه فقد ذكرنا سر هذا الاستسعاد والاشتراك في الدعاء في المباهلة أن هذا من عادات أهل المباهلة أن يشاركوا القوم والنساء والأولاد في الدعاء ويفهم منه أن النبي (ص) استسعد بدعائه لاحتياجه إلى ذلك الاستسعاد وهذا باطل عقلا ونقلا وأما عقلا لأن النبي (ص) لا شك أنه كان مستجاب الدعوة ومن كان مستجاب الدعوة فلا يحتاج إلى استسعاد الغير وأما نقلا فلأن الاشتراك في الدعاء في المباهلة لم تكن للاستسعاد بل لما ذكرنا وأما ما ذكر أن أمير المؤمنين (ع) استشهد من أنس بن مالك فاعتذر بالنسيان فدعا عليه فالظاهر أن هذا من موضوعات الروافض لأن خبر من كنت مولاه فعلي مولاه كان في غدير خم وكان الكثرة سماع السامعين كالمستفاض فأي حاجة إلى الاستشهاد من أنس وإن فرضنا أنه استشهد ولم يشهد أنس لم يكن من أخلاق أمير المؤمنين أن يدعو على صاحب رسول الله (ص) ومن خدمه عشر سنين بالبرص ووضع الحديث ظاهر انتهى وأقول استجابة دعوة النبي (ص) خصوصا في مادة مخصوصة لا ينافي عند العقل توقفه على شرط كاجتماع غيره معه ولولا مدخليتهم (ع) في إجابة الله تعالى لدعائه (ص) لما طلب تأمينهم بقوله إذا أنا دعوت فأمنوا أي قولوا آمين ومعنى آمين اللهم افعل ذلك وأجب هذا الدعاء وأما ما ذكره من النقل فقد أتينا عليه سابقا بما وافق العقل كما مر لكن ما ذكره من عدم الاحتياج إلى الاستشهاد مدفوع بأن أكثر السامعين كانوا قريش وأتباعهم وقد اتفقوا على إنكار حقه والنص الوارد في شأنه وأخذ الخلافة منه كما مر فكيف لا يحتاج إلى الاستشهاد من أنس وهو من الأنصار ويؤيد هذا ما نقله الشهرستاني الأشعري في كتاب الملل والنحل عن النظام من رؤساء المعتزلة أنه قال أولا لا إمامة إلا بالنص والتعيين ظاهرا مكشوفا وقد نص النبي (ص) على علي (ع) في مواضع وأظهره إظهارا لم يشتبه على الجماعة إلا أن عمر كتم ذلك وهو الذي تولى بيعة أبي بكر يوم السقيفة انتهى فتأمل وأما استبعاده عن أخلاق أمير المؤمنين (ع) أن يدعوا على صاحب رسول الله (ص) وخادمه بظهور البرص عليه فهو تصوف بارد لأنه إذا لم يشهد أنس لإظهار حق قربى النبي (ص) بما علم به فقد أخل بما وجب عليه من محبتهم بنص القرآن المجيد وخلع ربقته عن متابعة النبي (ص) وأحبط عمله وخدمته فأقل مرتبة جزائه في الدنيا الدعاء عليه بالأمراض الساخرة وسيذوق وبال أمره في الآخرة قال المصنف رفع الله درجته القسم الثالث في الفضايل البدنية وينظمها مطلبان الأول في العبادة لا خلاف في أنه (ع) كان أعبد الناس ومنه تعلم الناس صلاة الليل والأدعية في الأوقات الشريفة والأماكن المقدسة وبلغ في العبادة إلى أنه كان يؤخذ النشاب من جسده عند الصلاة لانقطاع نظهره من غير الله تعالى بالكلية وكان مولانا زين العابدين (ع) يصلي في اليوم والليل ألف ركعة ويدعو بصحيفة ثم يرمي بها كالمتضجر ويقول إني لي بعبادة علي (ع) قال الكاظم (ع) إن قوله تعالى تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود نزلت في أمير المؤمنين (ع) وكان يوما في حرب صفين مشتغلا بالحرب وهو بين الصفين يراقب الشمس فقال ابن عباس ليس هذا وقت الصلاة إن عندنا لشغلا فقال علي (ع) فعلى ما نقاتلهم
Page 205