وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ، غَيْرَ أَنَّ وَضْعَ الْأَسْمَاءِ عَلَى مُسَمَّيَاتِهَا مَشْرُوطٌ بِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسَمَّيَاتِ مَقْصُودًا بِالْوَضْعِ وَمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ مِمَّا يَسْتَحِيلُ فِيهِ ذَلِكَ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْوَضْعُ.
وَلِهَذَا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمَعَانِي لَمْ تَضَعِ الْعَرَبُ بِإِزَائِهَا أَلْفَاظًا تَدُلُّ عَلَيْهَا لَا بِطْرِيقِ الِاشْتِرَاكِ وَلَا التَّفْصِيلِ كَأَنْوَاعِ الرَّوَائِحِ وَكَثِيرٍ مِنَ الصِّفَاتِ.
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ: " أَطْلَقَ أَهْلُ اللُّغَةِ اسْمَ الْقُرْءِ عَلَى الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ وَهُمَا ضِدَّانِ، فَدَلَّ عَلَى وُقُوعِ الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ فِي اللُّغَةِ ". (١) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْقَوْلُ بِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا غَيْرُ مَنْقُولٍ عَنْ أَهْلِ الْوَضْعِ، بَلْ غَايَةُ الْمَنْقُولِ اتِّحَادُ الِاسْمِ وَتَعَدُّدُ الْمُسَمَّى، وَلَعَلَّهُ أُطْلِقَ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ مَعْنًى وَاحِدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، لَا بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ حَقِيقَتِهِمَا، أَوْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا مَجَازٌ فِي الْآخَرِ، وَإِنْ خَفِيَ مَوْضِعُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَهَذَا (٢) هُوَ الْأَوْلَى.
إِمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ، فَلِمَا فِيهِ مِنْ نَفْيِ التَّجَوُّزِ وَالِاشْتِرَاكِ.
وَإِمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ التَّجَوُّزَ أَوْلَى مِنَ الِاشْتِرَاكِ كَمَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ.
وَالْأَقْرَبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: اتَّفَقَ إِجْمَاعُ الْكُلِّ عَلَى إِطْلَاقِ اسْمِ الْمَوْجُودِ عَلَى الْقَدِيمِ (٣) وَالْحَادِثِ حَقِيقَةً، وَلَوْ كَانَ مَجَازًا فِي أَحَدِهِمَا لَصَحَّ نَفْيُهُ إِذْ هُوَ أَمَارَةُ الْمَجَازِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْمَوْجُودِ دَالًّا عَلَى ذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى، أَوْ عَلَى صِفَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى ذَاتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَاتَ الرَّبِّ تَعَالَى مُخَالِفَةٌ بِذَاتِهَا لِمَا سِوَاهَا مِنَ الْمَوْجُودَاتِ الْحَادِثَةِ (٤)، وَإِلَّا لَوَجَبَ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا شَارَكَهَا فِي مَعْنَاهَا فِي الْوُجُوبِ (٥) ضَرُورَةَ التَّسَاوِي فِي مَفْهُومِ
_________
(١) دَلِيلٌ ثَانٍ لِوُقُوعِ الْمُشْتَرَكِ.
(٢) اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنَ الْاِعْتَبَارَيْنِ.
(٣) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ ص (١٢) .
(٤) الْمُخَالَفَةُ وَعَدَمُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَقَطْ لَا فِي الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ ; إِذْ لِكُلٍّ مِنَ الْخَوَاصِّ مَا يَلِيقُ بِهِ وَيُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ.
(٥) لَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ فِي الْخَارِجِ.
1 / 20