La Perfection des Décisions - Commentaire sur l'Essence des Jugements

Ibn Daqiq al-'Id d. 702 AH
72

La Perfection des Décisions - Commentaire sur l'Essence des Jugements

إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

Maison d'édition

مطبعة السنة المحمدية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ــ [إحكام الأحكام] اغْتَسَلَ " عَلَى " شَرَعَ " صَحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الشُّرُوعُ وَقْتًا لِلْبَدَاءَةِ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [النحل: ٩٨] فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ الشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ وَقْتًا لِلِاسْتِعَاذَةِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَالُ " كَانَ يَفْعَلُ كَذَا " بِمَعْنَى أَنَّهُ تَكَرَّرَ مِنْهُ فِعْلُهُ، وَكَانَ عَادَتُهُ، كَمَا يُقَالُ: كَانَ فُلَانٌ يُقْرِي الضَّيْفَ، وَ«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ» وَقَدْ يَسْتَعْمِلُ " كَانَ " لِإِفَادَةِ مُجَرَّدِ الْفِعْلِ؛ وَوُقُوعِ الْفِعْلِ، دُونَ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّكْرَارِ، وَالْأَوَّلُ: أَكْثَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي حَمْلُ الْحَدِيثِ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا اغْتَسَلَ ". الْوَجْهُ الثَّالِثُ: قَدْ تُطْلَقُ " الْجَنَابَةُ " عَلَى الْمَعْنَى الْحُكْمِيِّ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، أَوْ الْإِنْزَالِ، وَقَوْلُهَا " مِنْ الْجَنَابَةِ " فِي " مِنْ " مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ، مَجَازًا عَنْ ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، مِنْ حَيْثُ إنَّ السَّبَبَ مَصْدَرٌ لِلْمُسَبَّبِ وَمُنْشَأٌ لَهُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: قَوْلُهَا " غَسَلَ يَدَيْهِ " هَذَا الْغَسْلُ قَبْلَ إدْخَالِ الْيَدَيْنِ الْإِنَاءَ، وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، الْوَجْهُ الْخَامِسُ: قَوْلُهَا " وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ " يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ تَقْدِيمِ الْغَسْلِ لِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي ابْتِدَاءِ الْغُسْلِ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، نَعَمْ، يَقَعُ الْبَحْثُ فِي أَنَّ هَذَا الْغَسْلَ لِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ: هَلْ هُوَ وُضُوءٌ حَقِيقَةً؟ فَيُكْتَفَى بِهِ عَنْ غَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لِلْجَنَابَةِ، فَإِنَّ مُوجِبَ الطَّهَارَتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَاحِدٌ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ غَسْلَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ إنَّمَا هُوَ عَنْ الْجَنَابَةِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ عَلَى بَقِيَّةِ الْجَسَدِ تَكْرِيمًا لَهَا وَتَشْرِيفًا، وَيَسْقُطُ غَسْلُهَا عَنْ الْوُضُوءِ بِانْدِرَاجِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى تَحْتَ الْكُبْرَى. فَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: قَوْلُهَا " وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ " مَصْدَرٌ مُشَبَّهٌ بِهِ، تَقْدِيرُهُ: وُضُوءًا مِثْلَ وُضُوئِهِ لِلصَّلَاةِ، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ: أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ الْمَغْسُولَةُ مَغْسُولَةً عَنْ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَغْسُولَةً عَنْ الْوُضُوءِ حَقِيقَةً لَكَانَ قَدْ تَوَضَّأَ عَنْ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ، فَلَا يَصِحُّ التَّشْبِيهُ؛؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَغَايُرَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ، فَإِذَا جَعَلْنَاهَا مَغْسُولَةً لِلْجَنَابَةِ صَحَّ التَّغَايُرَ، وَكَانَ التَّشْبِيهُ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ، وَجَوَابُهُ - بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِهِ مَصْدَرًا مُشَبَّهًا بِهِ - مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ شُبِّهَ الْوُضُوءُ الْوَاقِعُ فِي ابْتِدَاءِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ بِالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ فِي غَيْرِ غُسْلِ

1 / 130