La Perfection des Décisions - Commentaire sur l'Essence des Jugements

Ibn Daqiq al-'Id d. 702 AH
55

La Perfection des Décisions - Commentaire sur l'Essence des Jugements

إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

Maison d'édition

مطبعة السنة المحمدية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ــ [إحكام الأحكام] الرِّوَايَاتُ، وَمِنْ أَشْهَرِهَا: رِوَايَةُ الْمُغِيرَةِ، وَمِنْ أَصَحِّهَا: رِوَايَةُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ - بِفَتْحِ الْبَاء وَالْجِيمِ مَعًا - وَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُعْجِبُهُمْ حَدِيثُ جَرِيرٍ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ: أَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ إنْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، كَانَ جَوَازُ الْمَسْحِ ثَابِتًا مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ، وَإِنْ كَانَ مَسْحُ الْخُفَّيْنِ مُتَقَدِّمًا كَانَتْ آيَةُ الْمَائِدَةِ تَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، فَيُنْسَخُ بِهَا الْمَسْحُ، فَلَمَّا تَرَدَّدَ الْحَالُ تَوَقَّفَتْ الدَّلَالَةُ عِنْدَ قَوْمٍ، وَشَكُّوا فِي جَوَازِ الْمَسْحِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ﵃ أَنَّهُ قَالَ " قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَلَكِنْ أَقَبْلَ الْمَائِدَةِ أَمْ بَعْدَهَا؟ " إشَارَةً مِنْهُ بِهَذَا الِاسْتِفْهَامِ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَمَّا جَاءَ حَدِيثُ جَرِيرٍ مُبَيِّنًا لِلْمَسْحِ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ: زَالَ الْإِشْكَالُ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ ﷺ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ» وَهُوَ أَصْرَحُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنْ جَرِيرٍ " وَهَلْ أَسْلَمْتُ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ؟ "، وَقَدْ اشْتَهَرَ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ، حَتَّى عُدَّ شِعَارًا لِأَهْلِ السُّنَّةِ، وَعُدَّ إنْكَارُهُ شِعَارًا لِأَهْلِ الْبِدَعِ، وَقَوْلُهُ ﷺ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي اللُّبْسِ لِجَوَازِ الْمَسْحِ، حَيْثُ عَلَّلَ عَدَمَ نَزْعِهِمَا بِإِدْخَالِهِمَا طَاهِرَتَيْنِ فَيَقْتَضِي أَنَّ إدْخَالَهُمَا غَيْرُ طَاهِرَتَيْنِ مُقْتَضٍ لِلنَّزْعِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ إكْمَالَ الطَّهَارَةِ فِيهِمَا شَرْطٌ، حَتَّى لَوْ غَسَلَ إحْدَاهُمَا وَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ: لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ، وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ عِنْدَنَا ضَعْفٌ - أَعْنِي فِي دَلَالَتِهِ عَلَى حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - فَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يُعَبَّرَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ عَنْ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أُدْخِلَتْ طَاهِرَةً. بَلْ رُبَّمَا يُدَّعَى أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ " أَدْخَلْتُهُمَا " يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نَعَمْ، مَنْ رَوَى " فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ " فَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِرِوَايَةِ هَذَا الْقَائِلِ، مِنْ حَيْثُ إنَّ قَوْلَهُ " أَدْخَلْتُهُمَا " إذَا اقْتَضَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَقَوْلُهُ " وَهُمَا

1 / 113