حَدِيث (١) افْتِرَاق الْأمة (٢) ورد من طرق عديدة سَاقهَا ابْن الْأَثِير (٣) يرحمه الله فِي جَامع الْأُصُول (٤) فَقَالَ أخرج أَبُو دَاوُد عَن مُعَاوِيَة
1 / 47
قَالَ قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى اللله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَلا إِن (١) من قبلكُمْ من أهل الْكتاب افْتَرَقُوا على ثِنْتَيْنِ وَسبعين مِلَّة وَإِن هَذِه الْأمة سَتَفْتَرِقُ على ثَلَاث وَسبعين ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّار وَوَاحِدَة فِي الْجنَّة وَهِي الْجَمَاعَة (٢)
1 / 48
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ تَفَرَّقت الْيَهُود على إِحْدَى وَسبعين فرقة أَو اثْنَتَيْنِ وَسبعين (١) وَالنَّصَارَى مثل ذَلِك وَسَتَفْتَرِقُ أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة (٢)
1 / 49
وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى على إِحْدَى وَسبعين أواثنين (١) وَسبعين فرقة وَذكر الحَدِيث وَقَالَ حسن صَحِيح (٢) وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن ابْن (٣) عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ
1 / 50
ليَأْتِيَن على أمتِي مَا أَتَى على بني إِسْرَائِيل حذوا النَّعْل بالنعل حَتَّى إِن كَانَ مِنْهُم من أَتَى أمة عَلَانيَة ليَكُون فِي أمتِي من يصنع ذَلِك وَإِن بني إِسْرَائِيل تَفَرَّقت على ثِنْتَيْنِ وَسبعين مِلَّة وَسَتَفْتَرِقُ أمتِي على ثَلَاث وَسبعين مِلَّة كلهَا فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة قَالُوا من هِيَ يَا رَسُول الله قَالَ من كَانَ على مَا أَنا عَلَيْهِ وأصحابي أخرجه التِّرْمِذِيّ وَقَالَ غَرِيب (١)
1 / 51
وَأخرج ابْن ماجة مثل ذَلِك عَن عَوْف بن مَالك (١) وَأنس (٢)
1 / 52
انْتهى مَا سَاقه ابْن الْأَثِير فِي الْجُزْء الثَّالِث فِي حرف الْفَاء إِذا عرفت هَذَا فَالْحَدِيث قد اسْتشْكل من جِهَتَيْنِ الْجِهَة الأولى مَا فِيهِ من الحكم على الْأَكْثَر بِالْهَلَاكِ والكون (١) فِي النَّار وَذَلِكَ يُنَافِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْأمة بِأَنَّهَا أمة مَرْحُومَة وبأنها أَكثر الْأُمَم فِي الْجنَّة مِنْهَا حَدِيث أنس عَنهُ ﷺ أمتِي أمة مَرْحُومَة مغْفُور لَهَا
1 / 53
متاب عَلَيْهَا (١) وَغَيره مِمَّا مليت بِهِ كتب السّنة من الْأَحَادِيث الدَّالَّة على
1 / 54
سَعَة رَحْمَة الله لَهَا وَلَو سردناها لطال الْكَلَام (١)
1 / 55
وَلما كَانَ حَدِيث الِافْتِرَاق مُشكلا كَمَا ترى أجَاب بَعضهم بِأَن المُرَاد بالأمة فِيهِ أمة الدعْوَة لَا أمة الْإِجَابَة يَعْنِي أَن الْأمة الَّتِي دَعَاهَا رَسُول الله ﷺ إِلَى الْإِيمَان بِاللَّه وَالْإِقْرَار بوحدانيته هِيَ المفترقة إِلَى تِلْكَ الْفرق وَأَن أمة الْإِجَابَة هِيَ الْفرْقَة النَّاجِية يُرِيد بهَا من آمن بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِي ﷺ فَلَا إِشْكَال وَهَذَا جَوَاب حسن لَوْلَا أَن يبعده وُجُوه الأول أَن لفظ أمتِي حَيْثُ جَاءَ فِي كَلَامه ﷺ لَا يُرَاد بِهِ إِلَّا أمة الْإِجَابَة غَالِبا (٢) كَحَدِيث أمتِي أمة مَرْحُومَة (٣) وَحَدِيث لاتزال طَائِفَة من أمتِي (٤)
1 / 56
وَحَدِيث أمتِي هَذِه أمة مَرْحُومَة لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَاب فِي الْآخِرَة (١)
1 / 57
وَحَدِيث إِذا وضع السَّيْف فِي أمتِي (١) وَحَدِيث لَيَكُونن من أمتِي قوم يسْتَحلُّونَ الْخَزّ (٢)
1 / 62
وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى فالأمة فِي كَلَامه ﷺ (١) حَيْثُ أطلقت لَا تحمل إِلَّا على مَا تعورف مِنْهَا وعهد بلفظها وَلَا تحمل على خِلَافه وَإِن جَاءَ نَادرا (٢) الثَّانِي قَوْله سَتَفْتَرِقُ بِالسِّين الدَّالَّة على أَن ذَلِك أَمر مُسْتَقْبل الثَّالِث قَوْله ليَأْتِيَن على أمتِي فَإِنَّهُ إِخْبَار بِمَا سَيكون وَيحدث وَلَو جَعَلْنَاهُ إِخْبَارًا يَنْتَهِي بافتراق (٣) الْمُشْركين فِي الْمُسْتَقْبل لما كَانَ فِيهِ فَائِدَة إِذْ هم على ضَلَالَة وهلاك اجْتَمعُوا أَو افْتَرَقُوا الرَّابِع قرنهم بطائفتي الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَإِن المفترقين منهمما (٤) هم طائفتا (٥) الْإِجَابَة لظَاهِر قَوْله تَعَالَى وَمَا تفرق الَّذين أُوتُوا الْكتاب إِلَّا من بعد مَا جَاءَتْهُم الْبَيِّنَة (٦)
1 / 64
وَقَوله تَعَالَى وَمَا اخْتلف فِيهِ إِلَّا الَّذين أوتوه من بعد مَا جَاءَتْهُم الْبَينَات (١) وَقَوله (٢) وَمَا اخْتلف الَّذين أُوتُوا الْكتاب إِلَّا من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم (٣) وَقَوله تَعَالَى وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا من بعد مَا جَاءَهُم الْبَينَات (٤) الْخَامِس مَا أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ أَن رَسُول الله ﷺ لما خرج إِلَى غَزْوَة حنين مر بشجرة للْمُشْرِكين كَانُوا يعلقون عَلَيْهَا أسلحتهم يُقَال لَهَا ذَات أنواط فَقَالُوا يَا رَسُول الله اجْعَل لنا ذَات أنواط كَمَا لَهُم ذَات أنوط فَقَالَ رَسُول الله ﷺ سُبْحَانَ الله إِلَى أَن
1 / 65
قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتركبن سنَن من قبلكُمْ (١) وَهَذَا خطاب لمن خاطبه (٢) من أمة الْإِجَابَة قطعا وَالَّذِي يظْهر لي فِي ذَلِك أجوبة أَحدهَا أَنه يجوز أَن هَذِه الْفرق الْمَحْكُوم عَلَيْهَا بِالْهَلَاكِ قَليلَة
1 / 66
الْعدَد لَا يكون مجموعها أَكثر من الْفرْقَة النَّاجِية فَلَا يتم أكثرية الْهَلَاك فَلَا يرد الْإِشْكَال و(١) إِن قيل يمْنَع عَن هَذَا أَنه خلاف الظَّاهِر من ذكر كَثْرَة عدد فرق الْهَلَاك فَإِن (٢) الظَّاهِر انهم أَكثر عددا (٣) قلت (٤) لَيْسَ ذكر الْعدَد فِي الحَدِيث لبَيَان كَثْرَة الهالكين وَإِنَّمَا هُوَ لبَيَان اتساع طرق الظلال وشعبها ووحدة طَرِيق الْحق نَظِير ذَلِك ذَلِك مَا ذكره أَئِمَّة التَّفْسِير فِي قَوْله وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله (٥)
1 / 67
أَنه جمع السبل الْمنْهِي عَن اتباعها (١) لبَيَان شعب (٢) طرق الضلال وَكَثْرَتهَا وسعتها وأفرد سَبِيل الْهدى وَالْحق لوحدته وَعدم تعدده وَثَانِيها أَن الحكم على تِلْكَ الْفرق بِالْهَلَاكِ والكون فِي النَّار حكم عَلَيْهَا بِاعْتِبَار ظَاهر أَعمالهَا وتفريطها كَأَنَّهُ قيل كلهَا هالكة (٣) بِاعْتِبَار ظَاهر أَعمالهَا مَحْكُوم عَلَيْهَا بِالْهَلَاكِ وَكَونهَا فِي النَّار (٤)
1 / 68
وَلَا يُنَافِي ذَلِك كَونهَا مَرْحُومَة بِاعْتِبَار آخر من رَحْمَة الله لَهَا وشفاعة نبيها وشفاعة صالحيها لطالحيها (٤٥)
1 / 69
والفرقة (١) النَّاجِية وَإِن كَانَت مفتقرة إِلَى رَحْمَة الله لَكِنَّهَا بِاعْتِبَار ظَاهر أَعمالهَا يحكم لَهَا بالنجاة لإيتانها بِمَا أمرت بِهِ وانتهائها عَمَّا نهيت عَنهُ
1 / 71
وَثَالِثهَا أَن ذَلِك الحكم مَشْرُوط بِعَدَمِ عقابها فِي الدُّنْيَا وَقد دلّ على عقابها فِي الدُّنْيَا حَدِيث أمتِي هَذِه أمة مَرْحُومَة لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَاب فِي الْآخِرَة إِنَّمَا عَذَابهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَن والزلازل وَالْقَتْل والبلايا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي مُوسَى (١) فَيكون حَدِيث الإفتراق مُقَيّدا بِهَذَا الحَدِيث فِي قَوْله كلهَا هالكة مَا لم تعاقب فِي الدُّنْيَا لَكِنَّهَا تعاقب فِي الدُّنْيَا (٢) فَلَيْسَتْ بهالكة وَرَابِعهَا أَن الْإِشْكَال فِي حَدِيث الإفتراق إِنَّمَا نَشأ من جعل الْقَضِيَّة الحاكمة بِهِ وبالهلاك دائمة بِمَعْنى أَن الإفتراق فِي هَذِه الْأمة وهلاك من يهْلك مِنْهَا دَائِم مُسْتَمر من زمن تكَلمه (٣) ﷺ بِهَذِهِ الْجُمْلَة إِلَى قيام السَّاعَة وَبِذَلِك تتَحَقَّق أكثرية الهالكين وأقلية الناجين فَيتم الْإِشْكَال
1 / 72