وأصبح هذا الرأي الأخير عقيدة، بل عقيدة مخيفة؛ فكنا عندما نجد شخصا له وجه مستطيل بعض الشيء نقول في صمت وخوف: لعل هذا الرجل مريخي؛ إنه لا يشبه البشر كل الشبه.
ولكن المنطق الحسي أقوى وأرسخ من المنطق العقلي؛ ولذلك سرعان ما كنا ننسى هذا الموضوع عندما نئوب إلى بيوتنا ونجد طعامنا المألوف، وأولادنا، وسريرنا، وكل شيء كما تركناه في الصباح.
وكثيرا ما كنت أقعد بالترام فأسمع بعض القاعدين أو الواقفين يتحدثون عن الأطباق الطائرة، وعن هبوط الطائرات في الصحراء الغربية، فكان أكثر المستمعين يهزون أكتافهم وهم يقولون: كلام فارغ!
ولكن كان يحدث أن يكون بين المستمعين واحد فيروي أنه قبل أيام كان يسير في الغروب - وكنا وقتئذ في رمضان - وكان الشارع خاليا أو كالخالي في قسم العباسية، فإذا به يتقدم منه شخص طويل بوجه مستطيل، بل مستطيل جدا، وله شعر ذهبي، وحاول أن يكلمه، فغمغم ولم يبن، وتذكر الراوي أن هذا المتكلم مريخي قد استخفى كي يتجسس، فغمرته موجة من الرعب كاد يغمى عليه منها، ولكنه تماسك ، وعدا بأقصى سرعة في الشارع الخالي حتى دخل بيته وهو منهوك مرعوب.
وقال أحد السامعين: أعوذ بالله!
وقال آخر في سخرية: كنت شارب كونياك أو زبيب؟
وأقسم الرجل أنه لم يشرب شيئا.
وعمنا من هذه القصة جمود يشبه الذهول. •••
وسارت بنا الأيام ونحن في قلق من هذه الأخبار، ولكنه كان قلقا معتدلا، لم نأرق منه، وأذكر أن أحد الأمريكيين كتب مقالا أذاعته المحطات الرديوئية، خلاصته أنه على فرض أن المريخيين قد نزلوا واستقر بعض أفرادهم بيننا، يتجسسون، فإن هجوما مريخيا على الأرض لن يؤدي إلى انتصارهم؛ وذلك لأننا نعرف من أسرار الذرة مثلما يعرفون، وأننا نفكر في غزو المريخ قريبا، وسيشغلهم هذا الغزو الأرضي عن غزونا؛ لأننا سنضعهم في مكان الدفاع.
واعتقادي أن هذا الكاتب كان يبغي نشر الطمأنينة، ولكن الواقع أنه زاد القلق؛ لأنه كان هناك عدد كبير من البشر يعتقدون أن الحديث عن المريخيين إنما هو حديث الخرافات والأساطير التي لا تصدق، أما بعد هذا المقال فقد صار هؤلاء من المصدقين المترقبين لأسوأ الأحداث.
Page inconnue