وكان السيد راجي معتادا على هذه المناقرات، وكان يخفف من حدة زوجته بالنكتة أو الكلمة الرقيقة، ولكنه في هذا اليوم جاء متعبا من مكتبه، فتناول غداءه وهو صامت، وآوى إلى سريره يريد الراحة.
وما هو أن انتهت السيدة أنيسة من تناول غدائها حتى هرعت إليه، وقعدت على كرسي إزاء السرير، وشرعت تعيد عليه بضعة ألحان قديمة بمناسبة بضع حوادث حديثة؛ لأن الشيء بالشيء يذكر.
فقد حدث صباح اليوم أنها عرفت أن خادمتهم السابقة، التي تركتهم منذ سبعة شهور، تخدم هذه الأيام في بيت شقيقه، وأنها؛ أي السيدة أنيسة، كانت قبل ثلاث سنوات قد طلبت استخدام «أمينة» التي كانت قد خرجت من بيت ابن عمه، ولكنه؛ أي زوجها، استنكف وقال لها: لا يجوز لنا هذا؛ لأن زوجة ابن عمي ربما تعتب علينا.
والآن ماذا يقول؟ ها هي خادمتهم القديمة تخدم الآن في بيت شقيقه، لماذا لم يستنكفوا هم؟!
إن معيشتها معه عناء وعذاب، ولو أنه كان يحبها لكان يسمع كلامها، ولكنه لا يحبها.
وكان زوجها مستلقيا على السرير لا يتكلم، وزاد هذا من غضبها، فأعادت كلامها وارتفع صوتها، وكانت معتادة أن تجد الكلمة اللطيفة التي تخفف من حدتها، ولكن زوجها هذه المرة لم يرد، بل بقي صامتا.
وصاحت به، بعد أن تعبت: لماذا لا يرد؟ لماذا لا يقول الحق؟ ولماذا تعيش معه في هذا الذل؟
ولكنه لم يرد.
ونهضت السيدة أنيسة وهي حانقة مجنونة، وهزته وهي تقول: رد! رد علي.
ولكنها أحست فيه جمودا غريبا، حتى صار جسمه كله يتأرجح يمنة ويسرة وهي تهزه، ففزعت وتراجعت للوراء، ونادت الخادمة، وجعلت الاثنتان تهزان السيد راجي، ولكن بلا جدوى؛ لقد مات. •••
Page inconnue