وأنا الآن أم؛ لي ثلاث بنات وولدان، وإني لأحاول جهدي ألا أقع في الأخطاء التي وقعت فيها أمي، وأحاول جهدي أن أمنع الولدين من الاستبداد بأخواتهما البنات كما استبد أخي بي وبأختي، وإني لأضرب لهم جميعا المثل لما فعله أخي معي أنا وأختي؛ حتى يتعظوا، وحتى لا يحس أحد من الولدين أن من حقه أن يستبد بأخواته البنات، أو يجيز لنفسه أن يسرقهن كما فعل أخي بي وبأختي.
قرأت نعي أخي في الجرائد فتنهدت، ولكني أحسست انفراجا؛ فإن بقاءه في الدنيا كان تحديا للحق والشرف والحب والإنسانية، ولكنه مع ذلك كان، إلى حد ما، مظلوما؛ لأن المجتمع الذي كنا نعيش فيه قبل ثلاثين وأربعين سنة كان يتجاوز عن الآخر الذي يسرق أخواته البنات، وكان يعده الوارث الأصيل للأبوين.
إن البنت حين تتزوج وتترك بيت أبويها، يجب أيضا أن تترك كل ما في هذا البيت، وأنه ليس لها من حق في ثروة أبويها سوى هذا الحق الصوري الذي يتعين في عقود الامتلاك.
ورثت عن أبوي نحو عشرة فدادين، وهذا غير حصتي في بيتنا الكبير في القاهرة، وكان أبي قد مات قبل زواجي بسنة، وماتت أمي بعد زواجي بثلاث سنوات، وكان زوجي رجلا حييا، وكان يعمل موظفا في إحدى الوزارات بمرتب يكفينا، كما كان يملك منزلين بالقاهرة يغلان لنا دخلا سنويا معتدلا؛ ولذلك لم أطالب والدتي أو أخوي بشيء من حقي طيلة حياتها؛ وذلك لأني كنت أحبها، وأحب أن تحس بأن ما ورثته أنا من أبي يجب أن يبقى لمتعتها، وأيضا لأن زوجي كان حييا يعتقد أن ليس من الشهامة أن نطالب أمي وأخوي بدخلي وهو دون المئة من الجنيهات في السنة.
وماتت أمي، وقضيت أنا وأختي بمنزل أبوي نحو خمسة عشر يوما نستقبل التعازي، وكانت أختي متزوجة مثلي، ولكن زوجها لم يكن على يسر في العيش، وكانت أمي في حياتها تساعدها بالقليل الذي تحصل عليه من أخوي.
وقبل أن نغادر المنزل، أنا وأختي، تحدثنا إلى أخوي بشأن ما نملك في الأرض والبيت، وكان في البيت من الأثاث ما لا يقل ثمنه عن ألف جنيه، ولكننا لم نتحدث عنه بتاتا وتركناه لأخوينا.
وإني لأذكر الامتعاض الذي بدا على وجه أخي الأكبر حين صارحناه، أنا وأختي، بأننا نحتاج إلى دخلنا من الأرض، وقد سلم أخي الأصغر بهذا الحق، ولكن أخي الأكبر لم يسلم به، وجعل يسوف، ويتعلل بأنه لا يعرف المستأجرين، وأن هذا الموضوع يمكن أن يؤجل.
وفهمت من التأجيل أنه لن يتجاوز الشهرين أو نحو ذلك، ولكن مضت تسعة شهور دون أن نجد أية نتيجة، وجاءتني أختي تشكو، وتقول إن ما كانت تحصل عليه من أمنا قد انقطع، وأنها في حاجة؛ لأن دخل زوجها صغير، وأن أولادها قد كثروا.
وقصدنا أنا وهي إلى أخي الكبير، وحادثناه في رفق وحب، ولكنه عارضنا في عنف، كأننا أغراب نريد الاستيلاء على ثروته بلا حق.
وجمعنا الأقارب للصلح، وأي «صلح» هنا؟
Page inconnue