أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا) فلم يكن جواب النبي ﷺ راجعا إلى الاعتضاد بمخلوق ولا الاستغناء ببشر؛ ولكن قال له: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) فرده من التعلق بالأسباب المخلوقة إلى خالق الأسباب.#
* وفي هذا الحديث من الفقه أيضا ما يدل على فضيلة أبي بكر ﵁، فإنه لم يقل له إن الله تعالى ثالثنا في هذه الحالة خاصة ولا في الغار خاصة؛ ولكن قال له: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) أبدا.
* وفيه أيضا أن الهرب من المخوف مشروع، ولا يكون ذلك نقصا في إيمان المؤمن، وعلى هذا يحمل هرب موسى ﵇ من العصا حين انقلبت حية، وتوليه منها هاربا، وليس كما يقول بعض الناس إن ذلك من البشرية، ولكن موسى ﵇ لم ير أن يترك الشرع في ذلك المقام بين يدي الله ﷿ فهرب من المخوف شرعا.
والدليل على ذلك أنه لما قال له سبحانه: ﴿خذها ولا تخف﴾ انقلب الشرع في حقه حينئذ إلى أن لا تخاف منها. ولذلك جاء في الحديث أنه أدخل يده في فيها، فتواري رسول الله ﷺ وأبي بكر ﵁ في الغار دليل على أن الهرب من المخوف مشروع، وأن فعله ﷺ سنة وشريعة.
* وفيه أيضا (٦/ أ) تذكير بنعمة الله ﷿ لأنه بقي بما يشاء إذ جعل في ذلك الوقت السد بين نبيه ﷺ وصاحبه نعال المشركين بتشبيث أقدامهم فقال له: (لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا) فجعل السد الحائل منع أحدهم أن ينظر إلى قدمه.
وذكر ابن جرير في هذا الحديث أن قوله: (لوأن أحدهم نظر إلى قدميه
1 / 53