إلى أن رفع على الابتداء وقطع، كأنه قال: ذاك ربع، أو هو ربع، ولم يجعله بدلًا من "الطلل"، من حيث كان الربع أكثر منه، ومحال إبدال الأكثر من الأقل، لما فيه من نقصان البيان، فأما قول الآخر:
أحب ريا ما حييت أبدا
ألا ترى أن مدة حياته بعض الأبد، وقد أبدل "الأبد" من مدة حياته، فالجواب أنه وضع الأبد موضع بعضه، وهو مدة حياته، كما قال قيس بن زهير:
ولولا ظلمهُ ما زلت أبكي ... عليهِ الدّهرَ ما طلعَ النّجومُ
فالدهر في هذا البيت، أعم وأوسع من مدة طلوع النجوم، وذلك فيما ينتظر ويتوقع من الزمان سقوط النجوم، والدهر باق متصور، فإذا كان ذلك كذلك، فالدهر هنا يريد: بعضه، ألا ترى أنه قد أبدل منه قوله "ما طلع النجوم". فأعلمتك أن الدهر في البيت بعضه.
فإن قيل: ما الذي دعاك إلى هذا؟!، فهلا جعلت "ما طلع النجوم" من بدل البعض من الكل، فاسترحت من الاغتراب.
قلت: هذا فاسد، لأن الشاعر أراد المبالغة في بكائه الدهر، وليس يريد الاقتصار بعد التناهي، فاعمله.
1 / 66