أبكاني الدهر ويا ربما ... أضحكني الدهر بما يرضى
ثم طرد ذلك في نقيضه، فأراد أن يكنى عما يوجبه دوام التلاقي من السرور بالجمود، لظنه أن الجمود خلو العين من البكاء مطلقًا من غير اعتبار شيء آخر، وأخطأ١:
لأن الجمود خلو العين من البكاء في حال إرادة البكاء منها، فلا يكون كناية عن المسرة، وإنما يكون كناية عن البخل كما قال الشاعر٢:
ألا إن عينًا لم تجد يوم "واسط" ... عليك بجاري دمعها لجمود
ولو كان الجمود يلح أن يراد به عدم البكاء في حال المسرة لجاز أن يدعى به للرجل، فيقال: لا زالت عينك جامدة، كما يقال: لا أبكى الله عينك. وذلك مما لا يشك في بطلانه.
وعلى ذلك قول أهل اللغة: سنة "جماد" لا مطر فيها، وناقة جماد: لا لبن لها، فكما لا تجعل السنة والناقة جمادًا إلا على معنى أن السنة بخيلة بالقطر، والناقة لا تسخو بالدر، لا تجعل العين جمودًا.
_________
١ لعدم فهم ذلك اللازم بسرعة من جمود العين ففيه مخالفة لموارد استعمال البلغاء؛ لأن تعارف البلغاء على خلافه، فهو مخطئ في نظر البلغاء وإن صح أن يكون لكلامه وجه من التأويل يحمل كلامه على ما يصححه بأن نقول: استعمل جمود العين الذي هو يبسها في حال خلوها من الدموع مطلقًا مجازًا مرسلًا من باب استعمال المقيد في المطلق، ثم كنى به عن دوام السرور لكونه لازمًا لذلك عادة، وهذا وان كان معنى صحيحًا إلا أن فيه بعدًا وتعقيدًا.
٢ هو أبو عطاء يرثي ابن هبيرة وقد قتل في معركة يوم "واسط".
والبيت في ص٢٠٨ من دلائل الإعجاز وهو من أبيات عزاها المرتضى لمعن بن زائدة.
1 / 35