396

L'Ictisam

الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

Enquêteur

سليم بن عيد الهلالي

Maison d'édition

دار ابن عفان

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤١٢هـ - ١٩٩٢م

Lieu d'édition

السعودية

وَلِذَلِكَ؛ إِذَا الْتَزَمَ الْإِنْسَانُ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ الَّتِي يَعْلَمُ أَوْ يَظُنُّ أَنَّ الدَّوَامَ فِيهَا لَا يُوقِعُ فِي حَرَجٍ أَصْلًا، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْمُنَبَّهِ عَلَيْهَا، لَمْ يَقَعْ فِي نَهْيٍ، بَلْ فِي مَحْضِ الْمَنْدُوبَاتِ؛ كَالنَّوَافِلِ الرَّوَاتِبِ مَعَ الصَّلَوَاتِ، وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ فِي آثَارِهَا، وَالذِّكْرِ اللِّسَانِيِّ الْمُلْتَزَمِ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ. . . وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُخِلُّ بِمَا هُوَ أَوْلَى، وَلَا يُدْخِلُ حَرَجًا بِنَفْسِ الْعَمَلِ بِهِ وَلَا بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ.
وَفِي هَذَا الْقِسْمِ جَاءَ التَّحْرِيضُ عَلَى الدَّوَامِ صَرِيحًا، وَمِنْهُ كَانَ جَمْعُ عُمَرَ ﵁ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَضَى عَلَيْهِ النَّاسُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا سُنَّةً ثَابِتَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ إِنَّهُ أَقَامَ لِلنَّاسِ بِمَا كَانُوا قَادِرِينَ عَلَيْهِ وَمُحِبِّينَ فِيهِ، وَفِي شَهْرٍ وَاحِدٍ مِنَ السَّنَةِ لَا دَائِمًا، وَمَوْكُولًا إِلَى اخْتِيَارِهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: " وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ "، وَقَدْ فَهِمَ السَّلَفُ الصَّالِحُ أَنَّ الْقِيَامَ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ، فَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَنْصَرِفُونَ فَيَقُومُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ؛ فَقَدْ قَالَ: " نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ "، فَأَطْلَقَ عَلَيْهَا لَفْظَ الْبِدْعَةِ - كَمَا تَرَى - نَظَرًا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِلَى اعْتِبَارِ الدَّوَامِ، وَإِنْ كَانَ شَهْرًا فِي السَّنَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيمَنْ قَبْلَهُ عَمَلًا دَائِمًا، أَوْ أَنَّهُ أَظْهَرَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ مُخَالِفًا لِسَائِرِ النَّوَافِلِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَصْلِهِ وَاقِعًا كَذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْقِيَامِ عَلَى الْخُصُوصِ وَاضِحًا؛ قَالَ: " نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ "، فَحَسَّنَهَا بِصِيغَةِ " نِعْمَ " الَّتِي تَقْتَضِي مِنَ الْمَدْحِ مَا تَقْتَضِيهِ صِيغَةُ التَّعَجُّبِ لَوْ قَالَ: مَا أَحْسَنَهَا مِنْ بِدْعَةٍ! وَذَلِكَ يُخْرِجُهَا قَطْعًا عَنْ كَوْنِهَا بِدْعَةً.
وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى جَرَى كَلَامُ أَبِي أُمَامَةَ مُسْتَشْهِدًا بِالْآيَةِ، حَيْثُ

1 / 416