381

L'Ictisam

الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

Enquêteur

سليم بن عيد الهلالي

Maison d'édition

دار ابن عفان

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤١٢هـ - ١٩٩٢م

Lieu d'édition

السعودية

وَحَالُ مَنْ فُقِدَتْ فِي حَقِّهِ الْعِلَّةُ حَالُ مَنْ يَعْمَلُ بِحُكْمِ غَلَبَةِ الْخَوْفِ أَوِ الرَّجَاءِ أَوِ الْمَحَبَّةِ؛ فَإِنَّ الْخَوْفَ سَوْطٌ سَائِقٌ، وَالرَّجَاءَ حَادٍ قَائِدٌ، وَالْمَحَبَّةَ سَبِيلٌ حَامِلٌ، فَالْخَائِفُ إِنْ وَجَدَ الْمَشَقَّةَ؛ فَالْخَوْفُ مِمَّا هُوَ أَشَقُّ يَحْمِلُهُ عَلَى الصَّبْرِ مَا هُوَ أَهْوَنُ وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ شَاقًّا، وَالرَّاجِي يَعْمَلُ وَإِنْ وَجَدَ الْمَشَقَّةَ؛ لِأَنَّ رَجَاءَ الرَّاحَةِ التَّامَّةِ يَحْمِلُهُ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى بَعْضِ التَّعَبِ، وَالْمُحِبُّ يَعْمَلُ بِبَذْلِ الْمَجْهُودِ؛ شَوْقًا إِلَى الْمَحْبُوبِ، فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ الصَّعْبُ، وَيَقْرُبُ عَلَيْهِ الْبَعِيدُ، فَيُوهِنُ الْقُوَى، وَلَا يَرَى أَنَّهُ أَوْفَى بِعَهْدِ الْمَحَبَّةِ وَلَا قَامَ بِشُكْرِ النِّعْمَةِ، وَيَعْصِرُ الْأَنْفَاسَ وَلَا يَرَى أَنَّهُ قَضَى نَهْمَتَهُ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ صَحَّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَجَازَ الدُّخُولُ فِي الْعَمَلِ الْتِزَامًا مَعَ الْإِيغَالِ فِيهِ: إِمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا مَعَ ظَنِّ انْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، وَإِنْ دَخَلَتِ الْمَشَقَّةُ فِيمَا بَعْدُ؛ إِذَا صَحَّ مَعَ الْعَامِلِ الدَّوَامُ عَلَى الْعَمَلِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ جَارِيًا عَلَى مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ وَعَمَلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَدِلَّةِ النَّهْيِ صَحِيحٌ صَرِيحٌ، وَمَا نُقِلَ عَنِ الْأَوَّلِينَ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُحْمَلَ [عَلَى] أَنَّهُمْ إِنَّمَا عَمِلُوا عَلَى التَّوَسُّطِ الَّذِي هُوَ مَظَنَّةُ الدَّوَامِ، فَلَمْ يُلْزِمُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا لَعَلَّهُ يُدْخِلُ عَلَيْهِمُ الْمَشَقَّةَ حَتَّى يَتْرُكُوا بِسَبَبِهِ مَا هُوَ أَوْلَى، أَوْ يَتْرُكُوا الْعَمَلَ، أَوْ يُبَغِّضُوهُ لِثِقَلِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، بَلِ الْتَزَمُوا مَا كَانَ عَلَى النُّفُوسِ سَهْلًا فِي حَقِّهِمْ، فَإِنَّمَا طَلَبُوا الْيُسْرَ لَا الْعُسْرَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ حَالَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَحَالَ مَنْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْهُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا عَمِلُوا بِمَحْضِ السُّنَّةِ وَالطَّرِيقَةِ الْعَامَّةِ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الطَّبَرِيِّ فِي الْجَوَابِ.

1 / 401