أية قوة ألقت بهذا الغريب ليضلني سواء السبيل؟ من أجاز له أن يمر على طريق قريتي؟ ويل لك أيتها المرأة، لماذا تلفت وراءك لأول مرة أقتفى أثرك؟ لماذا رحبت به كأخ؟ لماذا فتحت له بابك ومددت له يدك؟
أي أوكتاف، لماذا أحببتني إذا كان هذا هو مصيرك ومصيري؟
وتداعت إلى الحضيض، فهرعت إليها أسندها بذراعي، وحملتها إلى مقعد ارتمت عليه ملقية رأسها على كتفي وقد حطمها ما بذلت من جهد وهي تتدفق ببيانها الرائع المرير.
وتوارت عن عياني الخليلة المهانة، فإذا بي لا أرى مكانها غير طفلة تئن من آلامها ...
وأطبقت جفنيها فطوقتها بذراعي وقد سكنت بينهما لا تعي.
ولما ثاب إليها رشدها شكت الضعف، ورجتني بصوت منخفض حنون أن أتركها لتذهب إلى مرقدها، وتهادت في مشيتها، فرفعتها على ذراعي وألقيتها على مهل فوق الفراش، وما بقي على وجهها شيء ينم عن الألم، بل رأيتها تتجرد من آلامها وتنساها كمن يرتاح من جهد جسدي أضناه؛ ذلك لأن طبيعتها الضعيفة الرقيقة أرهقها العراك، فاستسلمت بعد أن ذهبت بها إلى أبعد ما تحتمل قواها، وبقيت رابطة أناملها على يدي وأنا مكب على وجهها أقبله، وإذا بشفاهنا - ولما تزل ثملة بغرامها - تتلاقى؛ فيلتصق فمها بفمي دون أن نشعر، وما عتم حتى استغرقت في الوسن بعد هذه المصادمة العنيفة وهي تتوسد صدري مفترة الثغر كأننا في الليلة الأولى من ليالينا.
الفصل السادس
وكانت بريجيت نائمة وأنا جالس أمام سريرها صامتا جامدا كفلاح اجتاحت العاصفة حقله فحطمت سنابله.
وذهبت أسبر أعماق نفسي متلمسا ما جنت، وما كدت أستعرض بعض أعمالي حتى رأيتني تجاه مآت لا سبيل لتلافي نتائجها.
إن من الآلام ما تستنفد طاقة الحس فتشعرك بشدتها أنها بلغت حدها، وبمثل هذه الآلام كنت أتوغل في خجلي وتبكيت ضميري، فأرى أن لا بد لي من توديع بريجيت بعد هذا العراك العنيف، وبعد أن كرعت حتى الثمالة كأس غرامها الحزين، وقد توجب علي أن أطلق سراحها من هذه الأوصاب إذا كنت لا أتعمد قتلها.
Page inconnue