لقد ذكر هذا المساء أمامي اسم رجل لا أعرفه ولا علم لي بوجوده، وقيل لي إن شائعات لا طائل تحتها دارت حولك وحوله، وأنا الآن لا أسألك شيئا عن هذا الأمر الذي آلمني؛ لأنني ارتكبت فيه ذنبا لا يغتفر، وأتيت معترفا به أمامك، وبدلا من قبول ما تعرضينه علي سألقي بهذه الأوراق إلى النار.
بحقك لا تحاولي تبرير نفسك لئلا أذل أمام نفسي. لا تنزلي بي العقاب وما لي من ذنب غير فجيعتي وآلامي.
وهل لي أن أرتاب فيك وأنت على هذا البهاء، وعلى هذا الإخلاص، فإن لفتة واحدة منك تحمل من الإفصاح ما لا يمكن أن أستجليه بنفسي لتثبيت هيامي. آه لو تعلمين بما ابتلي من الفجائع والأكاذيب هذا الفتى الماثل أمامك الآن! لو تعلمين كيف عامله الناس، وكيف هزئوا به وبخير صفاته، وكم اجتهدوا لتعليمه كل ما يقود إلى الشكوك والغيرة واليأس!
وأسفاه أيتها الحبيبة! إنك لا تعرفين من هو هذا الذي تعشقينه، لا توجهي إلي اللوم والتقريع، بل تجلدي وأشفقي علي؛ إذ لا بد لي من أن أنسى وجود كل كائن على الأرض إلا إياك، فإن أمامي مآزق من الآلام يجب علي اجتيازها، وما كنت أتوقع أن أراها معترضة سبيلي تتحدى قواي للمجادلة والنضال. إنني ما عرفت ما في ماضي إلا منذ ضممتك بين ذراعي؛ إذ شعرت وأنا أضع قبلاتي على شفتيك بما على شفتي من أوضار. المعونة يا بريجيت! إنني ألجأ إليك فساعديني بحق ربك على الحياة؛ فإن ربك قد خلقني خيرا مما ترينني الآن.
وفتحت بريجيت معصميها وضمتني إليها طالبة مني اطلاعها على الوقائع التي أدت بي إلى هذا الموقف، فما سردت لها إلا ما قاله لاريف؛ لأنني جبنت عن الإقرار لها بأنني استنطقت مركانسون. وعادت فأكرهتني على سماع إيضاحها فقالت: إن دالانس أحبها، ولكنها رأت ما هو عليه من خفة وتقلب، فأعلنت له أنها لا تقصد الزواج، ورجته ألا يعود إلى ذكر عواطفه؛ فخضع لإدارتها، ومنذ ذلك الحين أصبحت زياراته نادرة حتى انقطع عنها.
قالت هذا وسحبت من الرزمة كتابا عرضته علي، وهو يحمل تاريخا حديثا، فما ملكت وجهي من الاحمرار إذ رأيت فيه إثبات ما أعلنته من الحوادث.
وأكدت لي أنها تعفو عني، غير أنها فرضت علي كعقاب أن أوافيها بلا إبطاء بكل ما يدعو إلى ثورة شكوكي فيما بعد، وتبادلنا العهد بقبلة، وعندما بارحتها عند انبثاق الفجر كنا نسينا أن في الوجود رجلا يدعى دالانس.
الفصل الثاني
إن للعاشقين شيئا من الركود الآسن يطفو عليه مرح كله مرارة وألم، وما حالتهم هذه إلا نتيجة حياة تتحكم فيها شاردات الأهواء لا حاجة الأجساد؛ فما جسد الفاسق إلا مطية تفكيره الجموح، وما تقيه الإرادة وقوة الشباب مغبة التفريط إلا إلى حين؛ لأن للطبيعة انتقامها الدساس الخفي، وإذا انتبهت القوة يوما لاستعادة ما هدر منها؛ فإنها تجد الإرادة المشلولة تترصدها لتدفع بها من جديد إلى التفريط.
إن الفاسق الذي أفلت زمام التمتع من يده لا يجد غير ابتسامة الازدراء يقابل بها كل ما كان يثير شهواته ، فهو يقتحم ملاذه بثورة الأعصاب لا برصانة القوة، وما يستولي الفاسق على ما يحب إلا عنوة واغتصابا، وقد أصبحت حياته ملتهبة محمومة، فيلجأ إلى المسكر وإحياء الليالي في المواخير ليرتفع بأعضائه المنهوكة إلى مستوى الملذات.
Page inconnue