بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ. وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد:
فإن هذا الجزء الذي هو"جزء الحروف والأصوات" من الأجزاء التي كانت في عداد المفقود من مؤلفات الإمام النووي – ﵀ – فيسر الله ﷿ لنا هذه النسخة النفيسة من هذا الجزء المبارك الذي أعرب فيه الإمام النووي – ﵀– عن معتقده في كتاب الله عمومًا والحرف والصوت خصوصًا، فقد صنف هذا الجزء قبل وفاته – ﵀– بما يقرب من شهرين حيث انتهى من تصنيفه في الخميس الثالث من شهر ربيع الآخر سنة ٦٧٦ هـ وتوفي – ﵀– في الرابع والعشرين من رجب من نفس السنة.
فقمت بنسخه وضبط نصه ضبطًا يليق به وتخريج ما به من آيات وأحاديث وآثار، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبله خالصًا لوجهه الكريم..آمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
وكتبه
أبو الفضل أحمد بن علي الدمياطي
1 / 5
ترجمة الإمام النووي
النواوي الشيخ الإمام القدوة الحافظ، الزاهد، العابد، الفقيه، المجتهد، الرباني، شيخ الإسلام أحسبه، الإمام: محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن حزام بن الحزامي الحوراني النواوي الشافعي صاحب التصانيف التي سارت بها الركبان، واشتهرت بأقاصي البلدان، ولد في المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة (بنوى) وكان أبوه دكانيًا بها، فنشأ الشيخ في ستر وخير وحفظ القرآن، وبقي يتعيش في الدكان لأبيه، ثم نقله أبوه في سنة تسع وأربعين إلى دمشق ليشتغل بها، فنزل بالرواقية يتقوت بالجراية، ويدرس في (التنبيه) فحفظه في أربع أشهر ونصف، وقرأ ربع (المهذب) في تمام السنة على الشيخ: الكمال إسحاق بن أحمد.
ثم حج مع والده، وقد لاحت عليه أمارات النجابة والفهم، فاتفق أنه أقام بالمدينة النبوية شهرًا ونصف، وتعلل في أكثر الطرق، ورجع وأكب على طلب العلم ليلًا ونهارًا اشتغالًا فضرب به المثل، وهجر النوم إلا عن غلبة، وضبط أوقاته إلا بلزوم الدرس أو الكتابة أو المطالعة، أو التردد إلى الشيوخ وترك كل رفاهية وتنعم، مع تقوى وقناعة وورع وحسن مراقبة لله في السر والعلانية وترك رعونات النفس، من ثياب حسنة، ومآكل طيبة، وتجمل هيئة، بل طعامه جلف الخبز يابسه، ولباسه خام، وشيخانيته لطيفة، فرحمه الله ورضي عنه وجزاه عن العلم خيرًا.
ذكر صاحبه الشيخ أبو الحسن علي بن العطار أن الشيخ محيي الدين حدثه أنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسًا على مشايخه شرحًا وتصحيحًا، درسين في"الوسيط"، ودرسًا في"المهذب"، ودرسًا في"الجمع بين الصحيحين"، ودرسًا في
1 / 6
" صحيح مسلم" ودرسًا في"اللمع" لابن جني، ودرسًا في"التعريف" ودرسًا في"أصول الفقه" ودرسًا في"أسماء الرجال"، ودرسًا في"أصول الدين".
قال: وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل، ووضوح عبارة، وضبط لغة، وبارك الله لي في وقتي، وخطر لي أن اشتغل بالطب، واشتريت كتاب"القانون"، فأظلم قلبي وبقيت أيامًا لا أقدر على الاشتغال فأفقت على نفسي وبعت القانون فأنار قلبي.
شيوخه
١ - الشيخ الإمام القاضي الخطيب عماد الدين عبد الكريم بن القاضي جمال الدين عبد الصمد بن محمد المعروف بابن الحرستاني ﵀ (٥٧٧-٦٦٢هـ) .
٢- شيخ الشيوخ: شرف الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري الأوسي الدمشقي الأصل، ثم الحموي الدار والوفاة، الشافعي المذهب الأديب الإمام العلامة مجمع الفضائل وشيخ الشيوخ (ت٦٦٢هـ) .
٣- الحافظ الزين خالد بن يوسف بن سعد بن حسن بن مفرج أبو البقاء النابلسي ثم الدمشقي (ت٦٦٣هـ) .
٤- ابن البرهان العدل الصدر رضي الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أبي حفص عمر بن أبي مضر بن فارس المضري الواسطي السفار التاجر المعروف بابن البرهان (ت٦٦٤هـ) .
٥ - الإمام الحافظ المتقن المحقق الضابط الزاهد الورع ضياء الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي ثم المصري ثم الدمشقي (ت٦٦٨هـ) .
٦- زين الدين أبو العباس أحمد بن عبد الدائم بن نعمة بن أحمد بن محمد
1 / 7
بن إبراهيم، مسند الشام وفقيهها ومحدثها الحنبلي الناسخ، (ت٦٦٨هـ) .
٧ - مسند الشام ابن أبي اليسر تقي الدين أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله التنوخي الكاتب المنشئ (ت٦٧٢هـ) .
٨- ابن الصيرفي المفتي المعمر جمال الدين أبو زكريا يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع الحراني الحنبلي المعروف بابن الحبيشي (ت٦٧٨هـ) .
٩ - الشيخ الإمام شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي ثم الصالحي الحنبلي (ت٦٨٢هـ) .
١٠ _الإمام العلامة الفقيه المفتي كمال الدين أبو إبراهيم إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربي
(ت٦٥٠هـ) .
١١ _الشيخ الإمام العلامة مفتي الشام كمال الدين أبو الفضائل سلار بن الحسن بن عمر بن
سعيد الأربلي ثم الحلبي ثم الدمشقي (ت ٦٧٠هـ.)
١٢ -الإمام فقيه الشام وشيخ الإسلام المشهور بالفضل والخير والإتباع أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري الشافعي تاج الدين الملقب بالفركاح لنحف في رجليه (ت٦٩٠هـ) .
١٣ - القاضي أبو الفتح كمال الدين عمر بن بندار بن عمر التفليسي (ت٦٧٢هـ) .
١٤ - أبو العباس جمال الدين أحمد بن سالم المصري النحوي نزيل دمشق (ت٦٧٢هـ) .
١٥ - العلامة حجة العرب جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني (ت٦٧٢هـ) .
1 / 8
ومن أشهر تلاميذه
١- الخطيب صدر الدين سليمان الجعفري.
٢- شهاب الدين أحمد بن جعوان.
٣- القاضي شهاب الدين الأربدي.
٤- المفتي علاء الدين بن العطار.
٥- ابن أبي الفتح.
٦- المزي.
٧- محمد بن أبي بكر بن إبراهيم القاضي شمس الدين بن النقيب الشافعي الدمشقي.
٨- خطيب داريا أبو الربيع الهاشمي.
مؤلفاته
كانت جهوده – ﵀– منصبة على الحديث وعلومه والفقه والتربية واللغة والتراجم والسير. ومن مؤلفاته:
الكتب الحديثية:
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج.
رياض الصالحين.
الأربعين النووية.
خلاصة الأحكام من مهمات السنن وقواعد الإسلام.
الكتب الفقهية:
المجموع – منهاج الطالبين– الفتاوى – التحقيق– دقائق المنهاج– روضة
1 / 9
الطالبين وعمدة المفتين – الأصول والضوابط.
الكتب التربوية:
الأذكار– بستان العارفين – التبيان في آداب حملة القرآن.
كتب التراجم واللغة:
منتخب طبقات الشافعية– تهذيب الأسماء واللغات – تحرير التنبيه.
وفاته
سافر وزار بيت المقدس فرد إلى نوى مريضًا وانتقل به إلى الله في الرابع والعشرين من رجب سنة ٦٧٦هـ.
1 / 10
وصف الأصل المخطوط
عدد الصفحات = ٤٤ صفحة
عدد الأسطر في الصفحة = ١٩ سطر
عدد الكلمات في السطر = من ٨– ١٠ كلمات
تاريخ النسخ = الخميس الثالث من شهر ربيع الآخر سنة ٦٧٦هـ
1 / 11
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
قال الشيخ الإمام العالم العلامة الزاهد الحافظ الورع إمام الشافعية في وقته محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مرا النواوي تغمده الله برحمته ورضوانه:
الحمد لله المقدس عن مماثلة المحدثات المتعالي عن النقائص والمتغيرات، المدعو بأنواع الألسن وأصناف اللغات، لا إله إلا هو خالق الأرض والسموات، أحمده على ما أهدى من المنح ومنح من الهدايات، وأصلي على أنبيائه الذين طهروا الأرض من الضلالات، خصوصًا على المبعوث آخر الرسالات، المؤيد بالمعجزات الباهرات والآيات البينات، المشفع في الميقات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وتابعيهم صلاةً دائمةً مع الآناء والأوقات.
وبعد: فلما ظهرت الشكوك والشبهات، وكثرت المطاعن والتمويهات، وانتشرت مقالة ذوي الأهواء والتعصبات، وعمت بها البلوى في جميع الأقطار والجهات سألني من إجابته من الواجبات. وإسعافه من أعظم المثوبات أن أجمع له زبد أقوال المتقدمين وغاية ماعولوا عليه من الاعتقاد في الحروف والأصوات، وما نقل عنهم في ذلك من الاختلافات، والتنصيص على ما ذهب إليه علماء الشرع ونقلة الأحاديث الثقات، سالكًا في ذلك طرق متأخري المتكلمين في المباحثات، جاريًا على قواعد أهل١ النظر والمجادلات، مختصرًا لفظه بأوضح العبارات الوجيزات، من غير تعصبٍ وميلٍ بل رغبة في إظهار الحق ونصرة لما سلف عليه الصحابة والتابعون ﵃ أجمعين وجمعنا وإياهم في دار كرامته وسائر أحبابنا ومشايخنا وإخواننا إنه أجود الأجودين وأرحم الراحمين.
وأروي له ما ثبت به النقل عن سيد المرسلين وأشرف خلق الله من الأولين
_________
١ في هامش الأصل: أصحاب، وما أثبتناه هو ما في الأصل.
1 / 15
الآخرين محمد بن عبد الله رسول رب العالمين صلى الله عليه وعلى سائر النبيين وآل كلٍّ وسائر الصالحين، فجاء هذا المختصر بحمد الله أنيسًا للحاضر وجليسًا للناظر، وقسمته بحمد الله فصولًا مشتملة على فنون من القواعد ونفائس من العقائد مما جمعته من كتب العلوم ومما أودعته من كتابنا المعروف بكتاب"التبيان في آداب حملة القرآن"١ وغير ذلك وعلى الله اعتمادي وإليه تفويضي واستنادي، اعتصمت بالله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ويشتمل هذا المختصر على قسمين:
القسم الأول: في ذكر ماننقله٢ عن الشيخ الجليل الإمام المتقن الحافظ الأوحد فخر الدين أبي العباس أحمد بن الحسن بن عثمان بن الأرموي الشافعي ﵁ فيما صنفه في كتابه الموسوم" بغاية المرام في مسألة الكلام"٣.
والقسم الثاني: فيما وضعته في كتابنا الموسوم بكتاب"التبيان"
_________
١ كتاب" التبيان" مشهور، وهو مطبوع عدة طبعات. ووجد عناية من كثير من المتأخرين، فمنهم من اختصره، ومنهم من شرحه.
٢ في الأصل: نقله، والصواب ما أثبتناه.
٣ وممن أفرد هذه المسألة بتأليف:
١- عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامه المقدسي الجماعيلى وكتابه هو: " الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم" وقد قام على تحقيقه الدكتور: محمد بن عبد الرحمن الخميس ونشرته مكتبة الفرقان – الرياض، عام (١٤١٩هـ) .
٢- عبد الله بن يوسف الجو يني والد إمام الحرمين وكتابه هو" رسالة في إثبات الاستواء والفوقية، ومسألة الحرف والصوت في القرآن المجيد، وتنزيه الباري عن الحصر والتمثيل والفوقية" ونشرت هذه الرسالة ضمن مجموع"الرسائل المنيرية" عام (١٤٠٤هـ) .
٣- تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية. وكتابه هو:"قاعدة نافعة في صفة الكلام" ونشرت هذه الرسالة ضمن مجموع "الرسائل المنيرية" عام (١٤٠٤هـ) .
1 / 16
القسم الأول:
فصل: في الحروف وهل هي قديمة أم حادثة
قال الشيخ أبو العباس في كتابه: فصل في الحروف. اعلم أن العلماء اختلفوا في الحروف هل هي قديمة في القرآن أو مطلقًا؟
فذهب قوم إلى القدم مطلقًا إذ قدمها في صورة دون صورة تناقض محض.
وذهب قوم إلى قدمها في القرآن فقط، وذهب قوم إلى قدم حروف قائمة بهذه الحروف المرتبة.
والذي يدل على قدم الحروف على الإطلاق من كتاب الله تعالى وجوه:
الأول: قوله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨] وقال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْأِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرحمن:١-٤] فرّق بين ماخلق وبين ما علم فلولم يكن ما علمه غير مخلوق وإلا لما كان لتخصيص أحدهما بالخلق دون الآخر فائدة.
والمراد بالبيان الحروف والكلام العربي في قول أهل التفسير.
الثاني: قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [البقرة ٣١] وثبت بما تقدم إنما علمه غير مخلوق.
وذكر أهل التفسير إن الله تعالى لما أمر (١) الملائكة بالسجود لآدم ﷺ قالوا: كيف نسجد لمن نحن أعلم منه؟ فأظهر الله لهم أشباح المخلوقات كلها على وجه الماء، وقال لهم: إن كنتم أعلم من آدم فأنبئوني بأسماء هؤلاء فرجعوا إلى الاستغفار، وقالوا: سبحانك لاعلم لنا إلا ما علمتنا فأنزل الله ﷿ على آدم تسعة وعشرين حرفًا، وألهمه أن وضع على كل شخص اسمًا فلفق الحروف
_________
١ في الأصل: أخبر والصواب ما أثبتناه
1 / 17
بعضها إلى بعض، فقال: هذا شاة، وهذا بعير، وهذا فرس إلى أن سمى جميع المخلوقات التي ستوجد١.
الثالث: قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ٣-٥] وهذا نصّ على أن ما يكون بالقلم، تعليمه ﷾، وثبت بما تقدم إنما هو تعليمه غير مخلوق، والتعليم بالقلم ليس إلا الحروف.
الرابع: هذه الحروف من علم الله لما سبق وقوله تعالى: ﴿وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] أخبر تعالى أنه علم الكاتب الكتابة، والكتابة ليس إلا الحروف، وعلمه غير مخلوق بالإجماع.
الخامس: في القرآن آيتان جمعتا حروف المعجم:
إحداهما: في سورة آل عمران وهو قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ [آل عمران: ١٥٤] .
والثانية: آخر سورة الفتح٢.
فمن زعم أن الحروف مخلوقة فقد صرّح بحدث الكتب المنزلة على الأنبياء من إله السماء.
السادس: لما اقتضت الحكمة الإلهية إثبات ما هو كائن في اللوح المحفوظ دلّ
_________
١ روي هذا عن ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة. انظر" تفسير القرآن العظيم" لابن أبي حاتم، و" تفسير مجاهد" (١/٧٣)، وتفسير عبد الرزاق (١/٦٥) .
٢ في قوله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [سورة الفتح الآية: ٢٩]
1 / 18
ذلك على قدم الحروف إذ لو لم تكن قديمة لكان ثَمّ شيء خارج عن علمه تعالى وذلك محال.
ويدل على قدمها من حديث رسول الله ﷺ وجوه:
الأول: مارواه عثمان بن عفان ﵁ قال" سألت رسول الله ﷺ عن ألف ب ت ث إلى آخرها، فقال: "الألف من اسم الله الذي هو الله والباء من اسم الله الذي هو الباري" ١ فاشتق لكل حرف حرفًا من صفات الله إلى آخر الحروف والسر في أن هذه الحروف مباني كتب الله المنزلة بالألسن المختلفة ومباني صفاته القديمة وأسمائه الحسنى، فالقول بحدوثها يوجب طرق الحدوث إلى ذلك، وقدمها ثابت بالإجماع.
الثاني: عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "إن الله قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألفي عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت: طوبى لأمة ينزل عليها هذا، طوبى لأجواف يوعى فيها هذا، طوبى لألسنة تتكلم بهذا" ٢
وهذا صريح في تقدم الحروف قبل آدم والخصم لا يقول بذلك فيصير محجوجًا.
الثالث: ماروي عن النبي ﷺ أنه قال:"إن الله ناجى موسى بمائة ألف كلمة٣"
_________
١ لم أقف عليه فيما بين يدي من مصادر.
٢ رواه اللالكائي في" اعتقاد أهل السنة" (٣٦٩) وابن أبي عاصم في" السنة" (٦٠٧) والدرامي (٣٤١٧) وابن خزيمة في" التوحيد" (١٠٩) والبيهقي في" الأسماء والصفات" (٢٣٢) وابن عدي في"الكامل" (١/٢١٩) من حديث أبي هريرة وفيه إبراهيم بن مهاجر، وهو ضعيف.
قال ابن حبان: هذا متن موضوع"المجروحين" (١/١٠٨) .
وأورده ابن الجوزي في" الموضوعات" (١/١١٠) .
٣ رواه الطبراني في" الكبير" (١٢٦٥٠) و" الأوسط" (٣٩٣٧) وعبد الله بن أحمد في" السنة"=
1 / 19
فأثبت الله تعالى المناجاة بهذه الكلمات، والكلمات حقيقتها لاتعقل إلا بالحروف، واتصاف البارئ بما هو من لوازم المحدثات محال تعالى الله عن الحدث علوًا كبيرًا.
والذي يدل على قدم الحروف من كلام العلماء وإخبار السلف والصلحاء وجوه:
الأول: ما نقل عن الإمام أحمد١ ﵁ في رسالته إلى أهل نيسابور وجرجان أنه قال: من زعم أن حروف الهجى مخلوقة فهو كافر لأنه سلك طريقًا إلى البدعة، لأنه متى حكم بأنها مخلوقة فقد حكم بأن القرآن مخلوق ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر.
ونقل عنه أيضًا ﵀، أنه قال فيمن حلف لا يتكلم فقرأ القرآن أنه لايحنث ولو كانت مخلوقة لحنث بالقياس على غيرها.
الثاني: ما روي عن أبي القاسم عبد الرحمن بن مندة٢ ﵀ أنه قال:
_________
= (١٠٩٩) والبيهقي في" الشعب" (١٠٥٢٧) من طريق أبي مالك الجنبي عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعًا.
قال الطبراني: لايروى هذا الحديث عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، فتفرد به أبو مالك.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه جويبر، وهو ضعيف جدًا"مجمع الزوائد" (٨/٢٠٣) .
أقول: جويبر هذا هو ابن سعيد:
قال ابن معين: ليس بشيء. وقال الجوزاني: لايشتغل به وقال النسائي والدارقطني وغيرهما: متروك الحديث."ميزان الاعتدال" (٢/١٦١)
١ أحمد بن حنبل بن هلال الشيباني المروزي ثم البغدادي، أحد الأئمة الأعلام، والإمام حقًا وشيخ الإسلام صدقًا، توفي سنة
(٢٤١هـ) "سير أعلام النبلاء" (٩/٤٣٤) .
٢ عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة العبدي الأصبهاني، الشيخ الإمام، المحدث، المفيد، الكبير، المصنف، أبو القاسم، ولد سنة (٣٨١هـ) وتوفي سنة (٤٧٠هـ) "سير أعلام النبلاء" (٦٣٤) .
1 / 20
" من زعم أن حرفًا من حروف الهجى مخلوق فهو جهمي".
الثالث: ما روي عن القاضي أبي علي محمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي١ ﵀ أنه قال:" أدركت مشايخ المذهب كلهم من أهل طبرستان وأصبهان والشام والجزيرة٢ وهم يعتقدون٣ أن الحروف غير مخلوقة فمن ادعى عليهم غير ذلك فهو كذاب مفترى".
الرابع: قال البخاري٤ ﵀، كان يحيى بن سعيد القطان٥ أنه قال: ما زلت أسمع أصحابنا يقولون: أفعال العباد مخلوقة.
قال البخاري٦: حركاتهم وأصواتهم فأما القرآن المتلو المكتوب في المصاحف الموعى في الصدور فهو كلام الله ليس مخلوق، قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العننكبوت:٤٩] .
_________
١ محمد بن أحمد بن أبي موسى أبو علي الهاشمي، عالي القدر، سامي الذكر، له القدم العالي والحفظ الوافر عند الإمامين القادر بالله، والقائم بأمر الله، سمع الحديث من جماعة منهم محمد بن المظفر، صنف كتاب الإرشاد، توفي سنة (٤٢٨هـ) "المقصد المرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد" (٢/٣٤٢) .
٢ في الأصل: والشام والجزيرة والشام، والصواب ما أثبتناه.
٣ في الأصل: يعتقدون، والصواب ما أثبتناه.
٤ محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله، إمام الدنيا في زمانه، وطبيب المحدثين، كبير المحل، ولد في سنة (١٩٤هـ) توفي ﵀ في سنة (٢٥٦ هـ) " سير أعلام النبلاء" (١٠-٢٧٧)
٥ يحيى بن سعيد القطان، الإمام الكبير، أمير المؤمنين في الحديث، أبو سعيد التميمي مولاهم البصري، الأحول، الحافظ، ولد في أول سنة (١٢٠هـ) وتوفي ﵀ في سنة (١٩٨هـ) " سير أعلام النبلاء" (٨-١١٠) .
٦ انظر" خلق أفعال العباد" للبخاري (ص: ٤٧) . و"الاعتقاد" البيهقي (ص:١١٠) .
و" سير أعلام النبلاء" (١٢-٤٥٤) .
1 / 21
الخامس: ماروي عن ابن المبارك١ ﵀ أنه قال: الورق والمداد مخلوق فأما القرآن فليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله عز وجل٢.
وروي عن إسحاق بن راهويه٣ نحو ما ذكرنا٤.
قلت: فإشارات هؤلاء السادة الفضلاء والأئمة العلماء ﵏ إلى الاحتراز عن القول بحدوث الحروف صيانة الكلام العزيز عن طرق الحدوث إليه بوجه من الوجوه، فلا سبيل إلى الخروج عما اعتقدوه فهم القدوة للإسلام والأنجم في الظلام.
وأما ما نقل عن أصحاب السير والأخبار:
فقد نقل عن ابن قتيبة٥ في كتاب" المعارف" إن الله تعالى عوض آدم عن ولده هابيل شيث وأنزل عليه تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وأنزل عليه حروف المعجم في تسع وعشرين صحيفة.
_________
١ عبد الله بن المبارك بن واضح، الإمام شيخ الإسلام، عالم زمانه، وأمير الأتقياء في وقته، أبو عبد الرحمن الحنظلي، مولاهم التركي ثم المروزي، الحافظ الغازي، أحد الأعلام، ولد سنة (١١٨هـ) وتوفي ﵀ في سنة (١٨١هـ) "سير أعلام النبلاء" (٧-٦٠٢) .
٢ رواه عبد الله بن أحمد في" السنة" (ص:١٥٦) واللالكائي في" أصول اعتقاد أهل السنة" (٢-٢٥٥) عن ابن المبارك وروي نحوه عن ابن مسعود مرفوعًا، ولكن فيه أحمد بن مهدي، وهو متروك الحديث. قال الحافظ بن حجر: في إسناده غير مجهول، وهو موضوع.
٣ إسحاق بن راهويه، الإمام الكبير، شيخ المشرق، سيد الحفاظ، أبو يعقوب، مولده سنة (١٦١هـ) وتوفي ﵀ سنة (٢٣٨) "سير أعلام النبلاء" (٩-٥٤٧) .
٤ وعن عبد الرحمن بن مهدي، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، والحسن، والعطاف بن قيس وغيرهم.
٥ عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدنيوري، أبو محمد، ذو الفنون، العلامة الكبير، ولي قضاء الدينور، وكان رأسًا في علم اللسان العربي، والأخبار وأيام الناس، وتوفي ﵀ سنة (٢٧٦هـ) " سير أعلام النبلاء" (٦٢٥)
1 / 22
وذكر ذلك النحاس١ في كتاب"الحروف" والمعتمد في قدم الحروف قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل:٤٠] .
و" كن" حرفان وليس المراد بمعنى"كن" إذ هو خروج عن صريح اللفظ ولكون المعنى لو كان مقتضيًا، الإيجاد لزم من ذلك قدم العالم وهو محال فلا يكون الأمر مقتضيًا، وحدوثها يستلزم إثبات حوادث لا أول لها وهو محال فلا بد من الاعتراف بكون"كن" قديمة رفعًا لهذا التسلسل، وإذا ثبت ذلك في" كن" ثبت في الجميع لعدم القائل، فالفصل لايقال هي متأخرة في الآية فتكون محدثة ضرورة كون المتأخر محدثًا لأنا نقول ذلك تأخر لفظي لا يتحقق إلا في الخارج وهو غير مشعر بالحدوث فإنه يقال في صفات الله تعالى حي، عالم، سميع، بصير، مع قدم الجميع بالاتفاق، لايقال يلزم على هذا أن تكون المعاصي مأمورًا بها لكونها مرادة لله تعالى فتكون مندرجة تحت"كن" إذ وجودها غير موجب، بل الموجب هو تعلق"كن" بالمراد بالقول المذكور في الآية إذ لو لم يكن كذلك لخرج ذكر القول في الآية عبثًا، والبارئ تعالى منزه عن ذلك، والاعتماد في قدم الحروف يظهر في دليل المسألة بالاستنتاج الصحيح، فليتأمل ذلك ففيه الكفاية والغنية للمستبصر بنور العلم المستضيء بضياء الشرع.
لايقال يلزم على ما ذكرتم من قدم الحروف، قدم كل ما يتخاطب به الناس في معايشهم وأمورهم ضرورة عدم انفكاك الحروف عن جميع ذلك لأنا نجيب من وجهين:
_________
١ أحمد بن محمد بن إسماعيل، المصري النحوي، أبو جعفر، العلامة إمام العربية، صاحب التصانيف، ارتحل إلى بغداد وأخذ عن الزجاج، وكان ينظر في زمانه بابن الأنبا ري وبنفطويه للمصريين، توفي سنة (٣٣٨هـ) " سير أعلام النبلاء" (١٢/٧١) .
1 / 23
أحدهما: أن الحروف التي يصدق عليها أنها قديمة وقعت تبعًا لما يتخاطب به الناس ولما هو كسبهم ومقدورهم فلا جرم لم يخبر فيها أحكام القرآن بل اكتسبت من متبوعها حكمه، ولا يقدح ذلك في قدمها، وهذا كما نقول في التفسير وكتب الفقه لما وقع القرآن تبع لما فيها اكتسب حكمها وكما إن الحبر والمداد اكتسب بوقوعه تبعًا لكتاب الله تعالى التعظيم والاحترام مع أنه في نفسه محدث بالإجماع فكذلك فيما نحن فيه اكتسب عكس ذلك للتبعية مع إن حقيقته لم تتغير١ بل التغير يقع لأمور خارجة عارضة فهو بمثابة سكين قطعت بها مسكًا وعنبرًا فطاب ريحها ثم قطعت بها بصلًا فاكتسبت ضد تلك الرائحة مع إن جوهر السكين غير مختلف.
الثاني: الحروف كونها منطوق بها يخالف كونها غير منطوق بها.
وحينئذ لا تنافي بين قدم به الموافقة وحدوث ما به المخالفة ضرورة كونهما غيرين، وقد أشرنا إلى هذا في صدر هذا الفصل على أنا نقول: قضية الدليل إن يجري في الجميع أحكام القرآن ولكن لما تعذر ذلك على الناس، إذ ليس في القوى البشرية الاحتراز عند التخاطب والتكالم عن الحروف، ولا يمكن إطباق جميع الخلق على السكوت أو استعمال الإشارات العقلية، فلا جرم سقط حكمة على هذه الضرورة.
دقيقة: اعلم إن جريان اليد بالقلم والمداد ونحو الخط ودقته وسقمه وجودته، واعوجاجه واستقامته، كل ذلك محدث والحروف التي٢ يتضمنه هذا المجموع قديم، وكذلك نقول في الصوت حركة اللسان والشفة، وصفاء الحنجرة وخشونتها، وغلظها ودقتها، والإسرار والإجهار، كل ذلك أيضًا محدث لأن هذه
_________
١ في الأصل: يتغير، والصواب ما أثبتناه.
٢ في الأصل: الذي، والصواب ما أثبتناه.
1 / 24
الأمور بأسرها من كسب الآدمي ومقدوره بإجراء الله تعالى العادة في ذلك كذلك، والذي يسمع عند تحقق هذا المجموع فهو الكلام القديم وقد أشار إلى ذلك الإمام أحمد١ ﵁ فيما رواه ابناه صالح٢ وعبد الله في كتاب"المحنة"٣ أنه قال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق، فهو ضال مبتدع وقائل بما لم يقل به أحد من سلف الأمة.
فقد تلخص في هذه المقدمة حقيقة الكلام والحروف وما قيل فيهما فعند ذلك نشرع في المقصود وهو:
_________
١ أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أبو عبد الله، الإمام حقًا، وشيخ الإسلام صدقًا، طلب العلم وهو ابن خمسة عشر سنة، في العام الذي مات فيه مالك، وحماد بن زيد، ولد سنة (١٦٤هـ) وتوفي رحمة الله سنة (٢٤٠هـ) "سير أعلام النبلاء" (٩/٤٣٤) .
٢ صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الحافظ الفقيه القاضي أبو الفضل البغدادي قاضي أصبهان كان عالمًا سخيًا جدًا توفي سنة (٢٦٦هـ) "سير أعلام النبلاء" (٣٦١/١٠)
٣ عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الحافظ، الناقد، محدث بغداد، أبو عبد الرحمن ولد سنة (٢١٣هـ) "سير أعلام النبلاء" (١١/٦٢)، وانظر أيضًا" شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (٢/٣٩١) .
القسم الثاني: تحرير محل النزاع وذكر البرهان عليه فصل في كلام الله الأمور بأسرها من كسب الآدمي ومقدوره بإجراء الله تعالى العادة في ذلك كذلك، والذي يسمع عند تحقق هذا المجموع فهو الكلام القديم وقد أشار إلى ذلك الإمام أحمد١ ﵁ فيما رواه ابناه صالح٢ وعبد الله في كتاب"المحنة"٣ أنه قال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق، فهو ضال مبتدع وقائل بما لم يقل به أحد من سلف الأمة. فقد تلخص في هذه المقدمة حقيقة الكلام والحروف وما قيل فيهما فعند ذلك نشرع في المقصود وهو: القسم الثاني في تعين محل النزاع وذكر البرهان عليه وإيراد الأسئلة والجواب عنها وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. مسألة: كلام الله ليس إلا الحروف والأصوات المفيدة لأمور الشرع المنزلة على النبي ﷺ بنظم القرآن. وهو الموجود بين أظهرنا، الذي نتلوه بألسنتنا وتحفظه أولادنا ونكتبه في مصاحفنا، وليس لله كلام سواه، هذا مذهبنا وبه قال الإمام _________ ١ أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أبو عبد الله، الإمام حقًا، وشيخ الإسلام صدقًا، طلب العلم وهو ابن خمسة عشر سنة، في العام الذي مات فيه مالك، وحماد بن زيد، ولد سنة (١٦٤هـ) وتوفي رحمة الله سنة (٢٤٠هـ) "سير أعلام النبلاء" (٩/٤٣٤) . ٢ صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الحافظ الفقيه القاضي أبو الفضل البغدادي قاضي أصبهان كان عالمًا سخيًا جدًا توفي سنة (٢٦٦هـ) "سير أعلام النبلاء" (٣٦١/١٠) ٣ عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الحافظ، الناقد، محدث بغداد، أبو عبد الرحمن ولد سنة (٢١٣هـ) "سير أعلام النبلاء" (١١/٦٢)، وانظر أيضًا" شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (٢/٣٩١) .
القسم الثاني: تحرير محل النزاع وذكر البرهان عليه فصل في كلام الله الأمور بأسرها من كسب الآدمي ومقدوره بإجراء الله تعالى العادة في ذلك كذلك، والذي يسمع عند تحقق هذا المجموع فهو الكلام القديم وقد أشار إلى ذلك الإمام أحمد١ ﵁ فيما رواه ابناه صالح٢ وعبد الله في كتاب"المحنة"٣ أنه قال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق، فهو ضال مبتدع وقائل بما لم يقل به أحد من سلف الأمة. فقد تلخص في هذه المقدمة حقيقة الكلام والحروف وما قيل فيهما فعند ذلك نشرع في المقصود وهو: القسم الثاني في تعين محل النزاع وذكر البرهان عليه وإيراد الأسئلة والجواب عنها وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. مسألة: كلام الله ليس إلا الحروف والأصوات المفيدة لأمور الشرع المنزلة على النبي ﷺ بنظم القرآن. وهو الموجود بين أظهرنا، الذي نتلوه بألسنتنا وتحفظه أولادنا ونكتبه في مصاحفنا، وليس لله كلام سواه، هذا مذهبنا وبه قال الإمام _________ ١ أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أبو عبد الله، الإمام حقًا، وشيخ الإسلام صدقًا، طلب العلم وهو ابن خمسة عشر سنة، في العام الذي مات فيه مالك، وحماد بن زيد، ولد سنة (١٦٤هـ) وتوفي رحمة الله سنة (٢٤٠هـ) "سير أعلام النبلاء" (٩/٤٣٤) . ٢ صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الحافظ الفقيه القاضي أبو الفضل البغدادي قاضي أصبهان كان عالمًا سخيًا جدًا توفي سنة (٢٦٦هـ) "سير أعلام النبلاء" (٣٦١/١٠) ٣ عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الحافظ، الناقد، محدث بغداد، أبو عبد الرحمن ولد سنة (٢١٣هـ) "سير أعلام النبلاء" (١١/٦٢)، وانظر أيضًا" شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (٢/٣٩١) .
1 / 25
الشافعي١ ﵁ على ما نقل عنه أنه قال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر٢.
وكذلك سئل عن رجل حلف بالطلاق الثلاث لا تكلمت، فقرأ القرآن هل يحنث؟ فقال: لايحنث لأن القرآن كلام الله وليس بكلام الآدميين٣.
وقد نقلنا فيما سلف بعض ما نقل عن الإمام أحمد ﵁، وبه قال حماد بن زيد٤ وحماد بن سلمة٥ ويزيد بن هارون٦ وعبد الرحمن بن مهدي٧،
_________
١ محمد بن إدريس الشافعي، عالم العصر، ناصر الحديث، فقيه الملة، أبو عبد الله القرشي وكان من أعقل الناس، ولو جمعت أمة لوسعهم عقله، توفي ﵀ في سنة (٢٠٤هـ) "سير أعلام النبلاء" (٨/٣٧٧) .
٢ انظر:" شرح أصول أهل السنة والجماعة" (٢/٣٩٠-٣١٩) .
٣ انظر المصدر السابق.
٤ حماد بن زيد بن درهم، العلامة، الحافظ الثبت محدث الوقت، أبو إسماعيل الازدي مولى آل جرير بن حازم البعري، الأزرق الضرير، أحد الأعلام، أصله من سجستان، توفي ﵀ في سنة (١٧٩هـ) " سير أعلام النبلاء" (٧/٣٤٥) .
٥ حماد بن سلمة بن دينار، الإمام القدوة، شيخ الإسلام، أبو سلمة البصري، النحوي البزار الخرقي الطائي، مولى آل ربيعة بن مالك، وابن أخت حميد الطويل، وكان بحرًا من بحور العلم، توفي رحمة الله سنة (١٦٧هـ) " سير أعلام النبلاء" (٧/٣٦٦) .
٦ يزيد بن هارون بن زاذي، الإمام القدوة، شيخ الإسلام، أبو خالد السلمي، مولاهم الوسطي، الحافظ، كان حافظًا متقنًا، وكان رأسا في السنة معاديًا للجهمية منكرًا تأويلهم في مسألة الاستواء. توفي ﵀ سنة (٢٠٦هـ) " سير أعلام النبلاء" (٨/٢٢٨) .
٧ عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن، الإمام الناقد المجود، سيد الحفاظ، أبو سعيد العنبري، مولاهم البصري اللؤلؤي، ولد سنة خمس وثلاثين ومئة، قاله أحمد بن حنبل، طلب هذا الشأن، وهو ابن بضع عشرة سنة، قال الشافعي: لا أعرف نظير هذا في الشأن، وكان قدوة في العلم والعمل. توفي ﵀ سنة (١٩٨هـ) " سير أعلام النبلاء" (٨/١٢١) .
1 / 26
وإسماعيل بن علية١، وسفيان بن عيينة٢ ويوسف بن الماجشون٣ وغير هؤلاء من الأئمة. والسادات من كبار العلماء والمحدثين ممن يضيق هذا المختصر عن ذكرهم وتعدادهم٤
وذهب أبو الحسن الأشعري٥ وأتباعه كأبي إسحاق الإسفراييني٦. وأبي
_________
١ إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، الإمام، العلامة، الحافظ، الثبت، أبو بشر الأسدي، مولاهم البصري الكوفي الأصل، المشهور بابن علية وهي أمه، ولد سنة مات الحسن البصري سنة عشر ومئة، كان فقيها، إماما، مفتيا، من أئمة الحديث. توفي ﵀ سنة (١٩٣هـ) ." سير أعلام النبلاء" (٨/٦٣) .
٢ سفيان بن عيينة بن أبي عمران، مولي محمد بن مزاحم، أخي الضحاك بن مزاحم الإمام الكبير حافظ العصر، شيخ الإسلام، أبو محمد الهلالي الكوفي، ثم المكي، مولدة في الكوفة في سنة سبع ومئة، قال الشافعي: لولا مالك وسفيان بن عيينة لذهب علم الحجاز. توفي رحمة الله سنة (١٨٥هـ) .." سير أعلام النبلاء" (٧/٦٥٣) .
٣ يوسف بن يعقوب بن أبي سلمه الماجشون، الإمام المحدث المعمر، أبو سلمة التيمي المنكدري مولاهم المدني، وثقة يحيى بن معين، وأبو داوود، وقال أبو حاتم: لابأس به. توفي ﵀ سنة (١٨٥هـ) ." سير أعلام النبلاء" (٧/٥٩٧) .
٤ انظر" شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (٢/٣٨٥-٣٩٩) فإنه ساق من قال بذلك من أهل البصرة، والكوفة، ومصر والعواصم والثغور، وخراسان، وغيرهم.
٥ علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن عبد الله بن موسى ابن أمير البصرة بلال بن أبي بردة ابن صاحب رسول الله ﷺ أبي موسى عبد الله بن قيس بن حفار، الأشعري اليماني البصري، العلامة إمام المتكلمين، أبو الحسن، كان عجبًا في الذكاء، وقوة الفهم، ولما برع في معرفة الاعتزال، كرهه وتبرأ منه، وصدق للناس، فتاب إلى الله تعالى منه، ثم أخذ يرد على المعتزلة، ويهتك عوارهم. توفي ﵀ سنة (٣٢٤أو٣٣٠هـ) " سير أعلام النبلاء" (١١/٥٤٠) .
٦ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، الأستاذ أبو إسحاق، الإمام الأوحد العلامة، الأصولي الشافعي الملقب ركن الدين، أحد المجتهدين في عصره، وصاحب التصانيف الباهرة. توفي ﵀ سنة (٤١٨هـ) ." سير أعلام النبلاء" (١٣/٢٢٥) .
1 / 27