بشيء لم يأذن به الله خوفًا من أن يدخل القلب شيءٌ من البدعة، اللهم احفظ علينا إيماننا. (١) "
فنلحظ أن الذهبي يقتصر على ما نصّ عليه الدليل بلفظه، وأنه لا حاجة إلى الزيادة على ذلك بتفصيل أو بيان.
والذي عليه المحققون خلاف ما اختاره الذهبي، كما بيّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "والمقصود أن الأئمة الكبار كانوا يمنعون من إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة المشتبهة، لما فيها من لبس الحق بالباطل، بخلاف الألفاظ المأثورة، والألفاظ التي بُيِّنت معانيها، فإن ما كان مأثورًا حصلت به الألفة، وما كان معروفًا حصلت به المعرفة.. فإذا لم يكن اللفظ منقولًا، ولا معناه معقولًا ظهر الجفاء والأهواء. (٢) "
فقرر شيخ الإسلام أن مسلك الأئمة الكبار هو منع إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة دون الألفاظِ المأثورة، والألفاظِ التي بُيِّنت معانيها، فلا محذور في الألفاظ التي بُيِّنت معانيها الصحيحة، واللائقة بالله ﷿، كما هو في تفسير الاستواء بالاستقرار، أو تقرير أن صفات الله حقيقة لا مجازًا، أو أن الله تعالى موصوف بعلو الذات، وأنه ينزل بذاته، لاسيما إذا كان هذا البيان في مقام الردّ على المنحرفين في باب الصفات، كمن ينكر استواء استقرار، أو يزعم أن صفات الله مجازية، أو ينكر علو الذات، أو يتأول النزول بنزول رحمته أو ملك.
فلا محذور في الإخبار عن الله تعالى بألفاظ ذات معان صحيحة، خاصة وأن الذهبي قد أورد في كتابه "العلو" آثارًا كثيرة عن السلف في إثبات أن الله تعالى "بائن من خلقه" دون أن يتعقب ذلك. (٣)
مع أن عبارة "بائن من خلقه" نظير العبارات السابقة من جهة عدم النص على لفظها في الكتاب والسنة. (٤)
"وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل: هل لهم رخصة أن يقول الرجل كلام الله ثم يسكت.
فقال ﵀: ولم يسكت لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت، ولكن
_________
(١) . سير أعلام النبلاء ٢٠/٨٦، وانظر: ميزان الاعتدال ٣/٥٠٧.
(٢) . الدرء ١/٢٧١ = باختصار
(٣) . انظر: العلو ٢/١٠٤٨، ١٠٩١، ١١١٣، ١٢١٤.
(٤) . انظر: مقدمة الألباني لمختصر العلو للذهبي صـ ١٨، ١٩، والنفي في باب صفات الله لأرزقي سعيداني صـ ١٣٠، ١٣١، ومنهج الإمام الذهبي في العقيدة لسعيد الزهراني صـ ١٦٢-١٦٥.
1 / 257