اسْتِقَامَةٍ فِي الْأَحْوَالِ، كَانَ بِالنِّعَمِ مُذَكِّرًا، وَمَا شَاهَدُوا فِيهِ مِنَ الإِخْتِلَالِ كَانَ مُنَبِّهًا وَمُنْذِرًا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ﵀ (^١): إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي مَنَامِي. فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا، إِنَّ اللهَ تَعَالَى بَعَثَ نَبِيَّهُ ﷺ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَمَنْ كَانَ عَلَى خَيْرٍ بَشَّرَهُ وَأَمَرَهُ بِالزِّيَادَةِ، وَمَنْ كَانَ عَلَى شَرٍّ حَذَّرَهُ وَأَمَرَهُ بِالتَّوْبَةِ. وَالاِطِّلَاعُ فِي أَخْبَارِ النَّاسِ مِرْآةُ النَّاظِرِ، يَصْدُقُ، فَيُرَغِّبُ فِي الْمَحَاسِنِ، وَيُرَهِّبُ مِنَ الْقَبَائِحِ، وَيُهَذِّبُ (^٢) ذَوِي الْبَصَائِرِ وَالْقَرَائِحِ، وَبِهَا يُذَكِّرُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ مَنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذِكْرِهِ، وَمُسْتَوْجِبًا لِكَرِيمِ ثَوَابِهِ وَأَجْرِهِ"] (^٣).
وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ المَدِينِيُّ (^٤) (الْحَنَفِيُّ) (^٥) نَزِيلُ بَلْخَ، وَمُؤَلِّفُ "النَّافِعُ" (^٦) فِي فِقْهِهِمْ، فِي"تَارِيخُ بَلْخَ" (^٧) الَّذِي أَلَّفَهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ (^٨) وَخَمْسِ مِائَةٍ، وَجَعَلَهُ مُتَوَسِّطًا لِقِلِّةِ رَغْبَةِ النَّاسِ وَضَعْفِ هِمَّتِهِمْ إِنْزَالًا لَهُمْ مَنَازِلَهُمْ، وَتَكْلِيمًا مَعَهُمْ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ، وَخَتَمَهُ بِأَحْوَالِهِ وَتَصَانِيفِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَنَافِعِهِ، بِزِيَادَةِ بَعْضِ أَلْفَاظٍ فِي غَيْرِ مَحلٍّ مِنْ مَوَاضِعِهِ:
"فِيهِ إِحْيَاءُ ذِكْرِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنْ عُلَمَائِهَا وَالطَّارِئِينَ عَلَيْهَا، فَإِنَّ ذِكْرَهُمْ (^٩)