الوجه الثاني
قوله: حتى يبلغ، وحتى يستيقظ، وحتى يفيق. وهذه غايات مستقبلة، والفعل المغيا بها وهو قوله: (رفع) ماض، والماضي لا يجوز أن يكون غايته مستقبلة، فلا تقول: سرت أمس حتى تطلع الشمس غدًا؛ لأن مقتضى كون الفعل ماضيًا كون أجزاء المعنى جميعا ماضية، والغاية طرف المعنى، ويستحيل أن يكون المستقبل ظرفا للماضي؛ لأن الآن فاصل بينهما، والغاية إما داخلة في المعنى فتكون ماضية أيضا، وإما خارجة عنه مجاورة له فيصح أن يكون الآن غاية للماضي، وإما أن تكون منفصلة حتى يكون المستقبل المنفصل عن الماضي غاية له - فمستحيل، فكيف قال: رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ؟! وهذا السؤال لم يبلغني عن أحد، ولكني أنا الذي حركته.
وجوابه - على ما ظهر لي - بالتزام حذف أو مجاز حتى يصح الكلام، ويتبين أن الغاية ليست للفعل الماضي أو ليست مستقبلة، فيحتمل أن يقدر: رفع القلم عن الصبي فلا يزال مرتفعا حتى يبلغ، أو: فهو مرتفع حتى يبلغ، فيبقى الفعل الماضي على حقيقته، والمغيا محذوف، وبه ينتظم الكلام.
ودل على هذا وحسنه أن الرفع فعل له أثر يستمر، فالغاية لأثره لا له، كما تقول: أجرتك داري إلى شهر. فالمغيا ليس هو الإيجار الماضي أو الحاضر، وإنما المغيا أثره، وحدف لفهم المغيا بحيث لو ذكر لكان ركيكا للاستغناء عنه بسببه.
1 / 45