Ibrahim le scribe
إبراهيم الكاتب
Genres
فتكلفت الجد وقالت: هل تستطيع أن تخرج وتسير في هذه الأوحال؟
فقال: قبح الله الريف! ألا شيء غير الجلوس في هذه الحجرة؟
قالت: أمللتنا جدا؟ وبهذه السرعة؟
فأسرع يؤكد لها أن الأمر على العكس، وإنه لم يضجره إلا الحبس، وإن بوده لو استطاع أن يخرج معها إلى الحقول. فصفقت وصاحت به وقد اضطرم خداها: ما أحلى هذا! أوده من كل قلبي. - ولكن كيف يمكن؟ - أوه. سأجد الوسيلة . دع هذا لي.
وخرجت لتجيئه بالطعام.
الفصل الحادي عشر
«حبيبي مد يده من الكوة، فأتت عليه أحشائي»
معنى هذا؟
حار إبراهيم في تفسير خوالجه وما جاش به صدره وهو جالس مع شوشو. ولم يكن ما قرأه في أسارير وجهها وعينيها العميقتين أقل تحييرا له، فلم يطق الجلوس في الغرفة وانتظار الطعام، وخشي أن تجيئه به تلك الزنجية اللامعة كالفحمة، وكره أن يرى وجهها بعد شوشو، واختلج في قلبه شيء من العطف عليها من أجل هذا الكره الذي يحسه لها، وكأنما أراد أن يهرب من نفسه ويتجنب أن يواجه ما تضطرب به. فأسرع فانحدر من السلاملك على الفضاء الذي أمامه، وتذكر وهو يهبط السلم كيف تركته شوشو بين ثلاث كلاب ضارية فابتسم وهو يقول: «تالله ما أظرفها! إن معين حيلها لا ينضب» ثم تجهم إذ رأى نفسه يكر إلى ذكر شوشو ويدعها تستولي على خواطره، فأسرع في المشي ولم يلتق بأحد، فمال إلى الحديقة غير عابئ بالأوحال التي تراكمت على حذائه، وقال يحدث نفسه وهو يقتلع رجليه واحدة بعد الأخرى من الأوحال: «أما لو أن الأرض جافة! إذا لاستطعت أن أمشي قليلا وأن أفني بالمشي هذه الإحساسات الجديدة وأنفقها فيه وأحيلها عرقا يتصبب».
ورأى رجلا جالسا على حجر يضحى في آخر الحديقة، فمضى إليه فألفاه شيخا هرما في يده عصا، ونهض الرجل متوكئا على عصاه ورفع له يده بالسلام. وراق إبراهيم وجهه المغضن كالحصير وشارباه المتهدلان كأنما كلت شعراتهما وفترت، فحياه ووقف صامتا لا يدرى ماذا يقول، وأحس كأن بينهما جونا يتعاظم، واشتاق أن يفتح قلبه لهذا الشيخ المتهدم ضيق العينين، متدلي الشاربين، المتوكئ على العصا؛ الذي اجتاز الحياة كلها وشق طريقه بين أشواكها. وتمنى لو يفتح له هذا الشيخ قلبه، فيقول هذا بشجوه مرة وذاك بشجوه مرة. ولكنه لم يجد الكلام حاضرا ولم يدر كيف يجره إلى التحدث عن نفسه، فاكتفى بأن يقول: من أبناء القرية؟
Page inconnue