Ibrahim, le père des prophètes
إبراهيم أبو الأنبياء
Genres
القوانين التي سميت زمنا بقوانين الطبيعة، ووقر في أذهان أجيالها أنها تقيد الظواهر الطبيعية، فلا يستطيع العقل أن يفسرها بغيرها ...
فالقانون الطبيعي اليوم فرض من فروض، وقد تصلح الجاذبية زمنا لتفسير حركات الأفلاك، ثم تأتي النسبية فيثبت لبعض العلماء أنها أصلح لتفسيرها من الجاذبية، ومهما يبلغ من دقة القانون الطبيعي فهو لا يحصر كل حقيقة، ولا بد من جزء غير محصور موكول إلى التقدير والترجيح.
والإيمان بإمكان المعجزة نظر متصرف يصل إليه المؤمن بعقيدته ولم يبلغ مبلغ ديكارت في عمق الفلسفة أو مبلغ العلماء في تمحيص القوانين الطبيعية ... فإذا سأل سائل: هل يمكن أن تجري المادة على غير هذه الصورة؟ فالذي يقول بالإمكان أصدق نظرا ممن يجيب بالاستحالة والامتناع، وأصوب في وزن الكون جملة واحدة ممن يفرضون عليه صورة محدودة من أقدم آباده إلى غاية آزاله - إن كانت للآزال غاية - فالمعجزة ممكنة وليست مستحيلة.
لأن مواد الكون كله ترجع إلى أصل واحد، وليست خصائص هذه المواد مجعولة فيها بإرادتها، وليست كل خاصة منها مستقلة عن سائرها، فإذا جاز أن يتشكل الأصل الواحد بجميع هذه الأشكال، فاختلافها جائز في أحوال غير هذه الأحوال، ولا وجه على الإطلاق للجزم باستحالة هذا الاختلاف. إن الذي أودع في الأصل الواحد كل هذه الصور قادر على أن يودعه صورا أخرى، وعلى الذي يجزم بالاستحالة أن يقيم الدليل. أما القائل بالإمكان فالواقع هو دليله الذي يقيس عليه .
فليس المقياس الحق للمعجزة أن تسأل: هل هي ممكنة أو غير ممكنة؟ كلا، بل المقياس الحق أن تسأل عن حكمتها ولزومها، فإن الذي يدبر الكون كله يتنزه عن العبث، فلا يصنع شيئا لغير حكمة، ولا تفوت هذه الحكمة إدراك الناس ما داموا هم المقصودين بإدراكها.
ذلك هو مقياسنا للمعجزات، وذلك هو المقياس الذي اعتمدناه في كتابتنا عن الرسل والدعوات الدينية، وخلاصته التي نعيدها في هذه السيرة أن دعوة إبراهيم تفسرها حوادث عصره، وتاريخ قومه من قبله ومن بعده، وإرادة الله في هذه الحوادث هي إرادة الله في كل معجزة، فليس في القول بهذه أو بتلك إخلال بقدرة الله على جميع الحالات.
ونحن لا نستحسن أسلوب المفسرين الذين يفترضون الفروض لتيسير قبول المعجزة؛ فإن المعجزة متى وقعت لا بد أن تكون معجزة، ولا بد أن يكون الناس في النظر إليها بصراء بحقيقتها غير مخدوعين فيها.
فالإيمان الصحيح أن المعجزة ممكنة، والإيمان الصحيح أنها ممكنة لحكمة.
ومن الحق أن نبرز حكمة الله في الحوادث كما نبرزها في المعجزات، وهذا الذي نصنعه في دراسة الدعوات الدينية، ومنها دعوة الخليل.
الفصل الحادي والعشرون
Page inconnue