117

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Maison d'édition

دار الفكر العربي

أبو حيان النحوي؛ فيغضب أبو حيان من هجومه، ولكن يزيل ذلك الغضب الإعجاب بابن تيمية، فيقول، ما رأت عيناي مثله.

١٢٤- ولا يكتفي بذلك، بل إنه ليدرس أصول الدين، فيدرس علم العقائد على شيوخه، ثم ينفرد بالقراءة ويدرس، فيقرأ مقالات الإسلاميين والإبانة لأبي الحسن الأشعري، ويقرأ كتب الغزالي التي جمعت بين الفلسفة وعلم الكلام، أو هي علم الكلام المتغذي من الفلسفة والآثار الصحاح، والقرآن الكريم وطرائق السالفين، فيأخذ ذلك على الغزالي، ويدرس آراء الفرق المختلفة في كتب علم الكلام وغيرها، فيدرس آراء الجهمية في إرادة العبد، ومشيئة الرب، ويدرس كلام الأشعري في ذلك، وينتهي إلى أنه لا فرق بينهما أو كلاهما قريب من الآخر، ثم يدرس أيضاً آراء العلماء في صفة الكلام، وفي مشتبه الأوصاف المذكورة في القرآن؛ وهو إذ يقرأ يدرس ويمحص ويفحص؛ ولا يترك باباً مما له صلة بذلك إلا خصه ودرسه.

١٢٥- وإنه ليجد كل مثقف إسلامي في عصره أن عليه أن يدرس بعض الفلسفة، فيدرس المنطق، وكلام الفلاسفة في الإلهيات والكونيات؛ وهو في ذلك قد اطلع على ثمرات ما وصل إليه فلاسفة المسلمين كابن سينا والفارابي وابن رشد. وقد ظهر ذلك واضحاً في جدله ومناقشاته؛ وحكي عنه في أخباره وسيرته، فقد قال السيوطي ما نصه:

((فإن برعت في الأصول وتوابعها من المنطق والحكمة والفلسفة وآراء الأوائل ومجاراة العقول واعتصمت مع ذلك بالكتاب والسنة وأصول السلف، ولفقت بين العقل والنقل، فما أظنك في ذلك تبلغ رتبة ابن تيمية، ولا والله تقاربها، وقد رأيت ما آل إليه أمره من الحط عليه والهجر، والتضليل والتكفير بحق وبباطل)).

فهذا الخبر التاريخي الذي جاء في ضمن نصيحة تبين كيف كان ابن تيمية قارئاً لأقوال الفلاسفة والحكماء؛ وإن كان قد اعتبر هذه القراءة حجة عليه إلا أنه رمي بالكفر. وهجر العلماء.

116