ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Maison d'édition
دار الفكر العربي
ومن آذى اللّه ورسوله، فالله ينتقم منه. وأنا لا أنتصر النفسى.
ولم يكتف الشيخ بالعفو، والامتناع عن الإفتاء ، أو الفتوى بعكس ما يريد السلطان بل أخذ يخاطبه فى العفو عنهم ويقول له إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم وما زال به حتى عفا عنهم !.
فعل ابن تيمية ذلك فى شأن القضاة والفقهاء ، وفيهم ابن مخلوف الذى كان يطلب رأسه؛ والذى كان يمنعه من المناقشة، ولذلك نطق لسان ذلك القاضى بالثناء على الشيخ، وقال فيه: ((ما رأينا مثل ابن تيمية ، حرضنا عليه فلم نقدر ، وقدر علينا فصفح وحاج عنا)).
وهكذا تحقق قوله تعالى جلياً واضحاً: ((ادفع بالتى هى أحسن ، "فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم )) .
٧٨- انصرف الشيخ إلى العلم دارساً وباحثاً ، ومفتياً، ومرشداً ومعلماً؟ ويظهر أنه نوى فى هذه المرة الإقامة الطويلة فى القاهرة ؛ فقد كانت إقامته السابقة على فية السفر القريب، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ، فيسجن أو ينفى، أما الآن فقد مكن اللّه له بكثرة الأنصار، ومكن له بفل شوكة الأعداء، ولذلك أرسل كتاباً إلى أسرته يطلب بعض کتبه ، ویكلف أحد تلاميذه وهو جمال الدين المزى بالبحث عما يطلب فى خزانة كتبه، وقد جاء فى ذلك الكتاب:
(( وقد أرسلت إلیکم کتاباً أطلب ماصنفته فى أمر الكنائس(١)،وهیكراريس بخطى، قطع النصف البلدى، فترسلون ذلك إن شاء الله تعالى". وتستعينون على ذلك بالشيخ جمال الدين المزى ، فإنه يقلب الكتاب ، ويخرج المطلوب وترسلون أيضاً من تعليق القاضى أبى يعلى الذى بخط القاضى أبى الحسين، إن أمكن الجميع ((وهو أحد عشر مجلداً))، وإلا فمن أوله مجلداً أو مجلدين أو ثلاثة، وذكر
(١) لعل هذه الكراريس هى أصل كتاب الجواب الصحيح لمن يدل دين الشيخ ويكون قد كتبه، وهو فى دمشق أو على الأقل وضع أصوله قبل رحلته إلى مصر .
73