ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Maison d'édition
دار الفكر العربي
ابن قلاوون الذي كان يقدر ابن تيمية ويعرف فضله - خانقاه في سرياقوس، سنة ٧٢٣.
فلما ذكر ابن تيمية ابن عربي وله مكانته عندهم تقدم ابن عطاء الله السكندري صاحب الحكم بالشكوى منه إلى الأمراء، وذهب الصوفية إلى القلعة في جموع كثيرة يشكون من ابن تيمية، ويقولون إنه يسب مشايخهم، ويضع من قدرهم عند الناس، فأمر السلطان بأن يعقد مجلس بدار العدل، وحضر إليه الشيخ رضي الله عنه، ثابت الجنان رابط الجأش مع أنه قيل له إن الناس قد جمعوا لك، فذهب يخترق الجموع، وهو يقول ((حسبنا الله ونعم الوكيل)) وتناقش معهم يصدع بالحجة الظاهرة، والبينات القاهرة، يفحم الخصوم، وينطق بالمفهوم من غير تعقيد ولا تلبيس، وكان له النصر المبين.
٧١- تكاثر اجتماع الصوفية وشكواهم، والشيخ لا يني عن مجابهتهم، وقد وجدوا له ما يثير الناس حوله، فقد كان يقرر أنه لا يستغاث إلا بالله، حتى لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل هذا في أحد المجالس التي تناقش فيها مع ابن عطاء الله السكندري، فقال بعض الحاضرين، ليس في هذا شيء، وقال قاضي القضاة إن هذا قلة أدب، ولم يستطع أن يقول إن هذا كفر.
ضاقت الدولة ذرعاً بهذه الحالة، فقد كثرت الضجات؛ وكثرت المجادلات، ولم تجد السبيل لإسكانها إلا أن تتجه لذلك الإمام التقي، خيروه بين أمور ثلاثة: إما أن يسير إلى دمشق، وهي موطنه، ومكان أهله، وإما أن يذهب إلى الإسكندرية على أنه مقيد في دمشق والإسكندرية بشروط، ولعل منها ألا يعلن معتقده، والأمر الثالث الحبس، فاختار الحبس، وأنه إذ يختار الحبس يختار تقييد الجسم في الحركة، وقد ارتضاه عن تقييد الفكرة واللسان، فإن الحرية التي تملأ نفس العالم ليست هي حرية الانتقال من مكان إلى مكان، إنما هي حرية الفكر وجولاته ونشر تفكيره وآرائه، وإن الحر حقاً وصدقاً هو الذي يفهم حرية رأيه وفكره قبل أن يفهم حرية جسمه.
66