59

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Maison d'édition

دار الفكر العربي

بين حبس تقى الدين، وبين أذى الحنابلة في مصر. وأذى الأتباع والأنصار في الشام .

٦٣- مكث الإمام في غيابة الجب سنة، وفي نهايتها في ليلة الفطر تحركت ضمائر لإخراج الشيخ، جمع الأمير سلار حاكم القاهرة القضاة الثلاثة الحنفي والمالكي والشافعي، وبعض الفقهاء؛ وتكلم معهم في إخراج الشيخ من السجن، وإطلاق حريته، وإن ذلك الأمير قد وجد في بقاء ذلك الإمام الجليل سجينًا ما لا يتفق مع العدل والدين والخلق، وهو الذي قاد الجموع، وحرك الجيوش، وتقدم للموت؛ وكان روح المقاومة العنيفة التي انتهت بانتصار أهل الشام ومصر على الجيوش، ولكن القضاة والفقهاء لم يكن في نفوسهم من الدوافع لإخراجه ما وجد ذلك الأمير؛ ومع ذلك لم يقاوموا، لأن الذين على شاكلتهم يعملون على إرضاء الأمراء، أو على الأقل لا يغاضبونهم، ولذلك قال بعضهم إنه يوافق على إخراج الشيخ من السجن، واشترط شروطًا، منها أن يتعهد الشيخ بالرجوع عن بعض ما أعلن من العقيدة، فوافق المجتمعون على ذلك وأرسلوا إليه ليحضر ويكلموه، فامتنع رضي الله عنه لأنه علم أنهم ليسوا طلاب حجة حتى يقتنعوا، وهم يريدون أن يفرضوا عليه ما لم يره، وتكررت الرسل إليه ست مرات، فصمم على عدم الحضور إليهم، ولم يلتفت إلى دعوتهم، فتفرقوا وبقي السجين في سجنه، وقال ابن كثير في شأنهم بعد ذلك ((تفرقوا غير مأجورين)).

لقد كلفوا الشيخ شططًا أن يرجع عن رأيه بغير بينة، وأن يعلن غير ما يعتقد، وهو يرى أنه الإيمان الصحيح والإسلام الحق، وكأنهم خيروه بين السجن الدائم وأن يغير عقيدته وإيمانه، فقال لهم مقالة يوسف عليه السلام: «السجن أحب إلي مما يدعونني إليه».

٦٤- وفي الوقت الذي قضاه ابن تيمية في السجن في مصر التي لا تعلم فضله، ومكانته من العلم، ولعلها لم تعلم عمله في النصر الذي نالت مصر خيره. في هذا الوقت كانت الشام في ألم مما قال عالمها الأول، ونخرها، والذي كان في الشدة ملاذها وأمنها، لا يختلف في هذا الشعور الأمير عن السوقة، حتى أن الشيخ

58