Le Fils du Sultan : et autres histoires
ابن السلطان: وقصص أخرى
Genres
قالت أمي: اقرأ «الجرنال» يا حبيبي. اقرأ وعل صوتك. يا ترى ماذا جرى في الدنيا؟
وأخذت أقلب الصفحات حتى وصلت إلى صفحة الحوادث. لا شك أنني سأجد شيئا يسليها: ياه! حادثة يا أمي. - اللهم اجعله خير. - حادثة فظيعة. - أين يا ابني؟ - في مصر. - يا ترى قامت حريقة؟ قل يا ابني وسمعني! - لا، لا. اسمعي: مصرع سيدة وطفلها. - مصرع؟ - يعني موت، موت. - ربنا يلطف بعبيده. ويحفظكم يا أولادي.
ولم أنتظر حتى تكمل دعاءها، فبدأت أقرأ: «بينما كانت إحدى السيدات تعبر شارع السيدة صباح اليوم وعلى ذراعها طفلها ؛ إذ تعثر ذيل فستانها في شريط الترام فوقعت على الأرض. وتصادف مرور الترام رقم 22 في هذه اللحظة. ويبدو أن السائق لم يتمكن من تجنب الحادث. هذا، وقد قامت على الفور قوة من بوليس قسم السيدة وعاينت الحادث. كما ألقي القبض على السائق رهن التحقيق.» - يا عيني، هي وابنها؟ - نعم يا أمي، هي وابنها. - اقرأ يا ابني في الجرنال، اقرأ مرة ثانية وقل لي.
وفتحت الجريدة مرة أخرى، وقرأت الخبر من جديد: نعم يا أمي، هي وابنها. الترام داس عليها. - لا إله إلا الله. يا ليته ما عاش. - من؟ - الولد يا ابني. لا عاش ولا تمتع بالدنيا. - حظه يا أمي. - لكن الولد؟ - ماذا؟ - كان يرضع؟ - أظن. - وساعتها كان عمره كم سنة؟ اقرأ في الجرنال. يا ترى فطمته؟ - لا أدري يا أمي. - يا ترى يا ابني مات شبعان؟ - شبعان أو جوعان. المهم أن الترام داس عليه هو وأمه. - على صدره يا ابني؟ - الجرنال لم يكتب هذا. لا بد أن الترام قطعه. - الطف يا رب. نجنا يا حبيبي، من الدنيا وما فيها.
واحمرت عينا أمي، فرت دمعتان على خدها. دفنت رأسها بين يديها وانخرطت في البكاء كأنها تذكرت أمواتها وأموات المسلمين: يا ترى يا ابني دفنوها؟ - لا بد أن الحكومة دفنتها. - الحكومة؟ وأهلها يا ابني؟ - في هذه الأحوال يا أمي إذا لم يظهر للميت أهل تدفنه الحكومة. - ميتة غريبة يا حبيبتي. من مات غريبا مات شهيدا. وبلدها يا ابني؟ - يظهر أنها من الفلاحين. - مكتوب في الجرنال؟ - لا لكن الجرنال يقول إنها تعثرت في ذيلها. والناس في مصر فساتينهم قصيرة. الفلاحون فقط يلبسون الهدوم الطويلة. ثم إنها كانت في زيارة السيدة. - شاء الله يا أم هاشم. لها الجنة يا ابني. يا بخت من جاور أهل البيت.
بدأ النوم يثقل جفوني فتثاءبت. وعادت الوحوش المظلمة تفتح أفواهها وتبتلعني. كتل سوداء تهاجمني وتدوس على جسدي. كلما أغمضت عيني وقفت على صدري. وسمعت صوت أمي كأنه يأتي من بعيد: يا ترى يا ابني أهلها استدلوا عليها ؟ - هه ؟ - أولادها وزوجها. يا ترى بلغتهم الحكومة؟ - لا أعلم يا أمي. - يا ترى عرفوا الخبر؟ أو راحوا ينتظرونها على المحطة؟ - هه؟ ماذا تقولين؟ - وأولادها ربنا عالم بحالهم. كان عندها كام ولد؟ - لا أدري يا أمي، لا أدري. - قم يا ابني اقرأ في الجرنال. اقرأ وسمعني. - كل ما في الجرنال قرأته عليك. دعيني أنام. - طيب يا ابني. نام انت. نام.
وتناولت الجريدة بين يديها. أخذت تقلبها في كل ناحية، وتقربها من عينيها، كأنها تنتظر من الحروف أن تفتح فمها وتتكلم. كان آخر ما سمعته منها آهة ضعيفة. قلت في نفسي: لا بد أنها تضع الآن يدها على قلبها. •••
حدث هذا يا أمي منذ زمن بعيد. بيننا وبينه هوة عميقة.
أما أنت يا حبيبتي فقد مت. صحت ذات مرة: «آه»، ووضعت يدك على قلبك. ثم دفنوك في قبر صغير. كتب عليه اسمك بخط رديء.
وأما أنا يا أمي فقد كبرت. عرفت أشياء كثيرة عن هذا العالم. ونمت خمس شعرات بيض في رأسي. أراها واضحة كلما نظرت في المرآة. وحدثت أشياء كثيرة قال عنها الناس إنها غيرت وجه التاريخ.
Page inconnue