Ibn Sina le Philosophe

Paul Boutrous Mascad d. 1307 AH
48

Ibn Sina le Philosophe

ابن سينا الفيلسوف: بعد تسعمئة سنة على وفاته

Genres

تشعبت نظريات الفلاسفة في أمر سعادة الإنسان وشقوته، فمنهم من جعل السعادة في مخالطة البشر والتمتع بسائر لذائذ الحياة، والشقاوة في الابتعاد عن المجتمع والانصراف عن أطايب الدنيا، ومنهم من قال مع هوبس

Hobbes : «إن الإنسان ذئب على الإنسان.»

Homo homini lupus

والسعادة تقوم في الانسلاخ عن المادة وسائر تكاليفها المرهقة.

أما الرئيس فإنه ينظر إلى الحياة نظرة المتفائل؛ لكونه يؤمن بأن الخير شامل في الوجود، والشر جزئي كما سبق، وأن الإنسان أفضل معوان في جلب السعادة لأخيه الإنسان، قال:

إن الإنسان يفارق سائر الحيوانات بأنه لا يحسن معيشته لو انفرد وحده شخصا واحدا يتولى تدبير أمره من غير شريك يعاونه على ضرورات حاجاته، وأنه لا بد أن يكون الإنسان مكفيا بآخر من نوعه يكون ذلك الآخر أيضا مكفيا به وبنظيره، فيكون مثلا هذا ينقل إلى ذاك، وذاك يخبز لهذا، وهذا يخيط للآخر، والآخر يتخذ الإبرة لهذا حتى إذا اجتمعوا كان أمرهم مكفيا؛ ولهذا اضطروا إلى عقد المدن والاجتماعات. (نجاة، ص498)

وهذا القول مأخوذ عن الفارابي يذكرنا بكلام ابن خلدون في ضرورة الاجتماع الإنساني.

والإنسان بعد أن يؤمن ضروريات حياته يصبو إلى السعادة القائمة في اللذة، إلا أن البشر يتفاضلون في الاستمتاع بلذائذ الحياة كما يتفاوتون بعقولهم ورتبهم ومنازلهم.

واللذة في مذهب الرئيس لا تختلف عما هي في مذهب أرسطو، فتقوم في الفعل، وهي على أربعة أنواع: عقلية وحسية، خسيسة وسامية؛ فالفرق بين اللذة العقلية والحسية كائن في أن اللذة التي تجب لنا بأن نتعقل ملائما هي فوق التي تكون لنا بأن نحسن ملائما ولا نسبة بينهما، قال ابن سينا:

قد يعرض أن تكون القوة الدراكة لا تستلذ بما يجب أن تستلذ به لعوارض، كما أن المريض لا يستلذ الحلو ويكرهه لعارض، فكذلك يجب أن نعلم من حالنا ما دمنا في البدن فإننا لا نجد إذا حصل لقوتنا العقلية كمالها بالعقل من اللذة ما يجب للشيء في نفسه؛ وذلك لعائق البدن، فلو انفردنا عن البدن لكنا بمطالعتنا ذاتنا وقد صارت عالما عقليا مطالعا للموجودات الحقيقية والجمالات الحقيقية والملذات الحقيقية متصلة بها اتصال معقول بمعقول نجد من اللذة والبهاء ما لا نهاية له ... إن لذة كل قوة حصول كمالها، فللحس المحسوسات الملائمة، وللغضب الانتقام وللرجاء الظفر، ولكل شيء ما يخصه، وللنفس الناطقة مصيرها عالما عقليا بالفعل.

Page inconnue