بعد الشقة بين الدين وفلسفة أرسطو في كثير من المسائل؛ كمسألة الألوهية، وتحديد صفات الله وخصائصه، وخلق العالم، وقدمه وحدوثه، والصلة بينه وبين الله، والنفس وخلودها. (2)
مهاجمة كثير من رجال الدين للبحوث العقلية الحرة التي لا تتقيد في نتائجها بأية عقيدة مقررة سابقا، ويضاف إلى هذا تعصب الشعب والأمراء أحيانا ضد المفكرين الأحرار مدفوعين بدوافع مختلفة لا تتصل بالدين في الحقيقة في أكثر الأحيان. (3)
وأخيرا، الرغبة في أن يكونوا بنجوة من هذا التعصب وآثاره؛ ليستطيعوا العمل في هدوء؛ ولئلا يتحاماهم الناس حين يرون أو يظنون أنهم على غير وفاق مع الشريعة والدين.
من أجل ذلك كله، نجد فلاسفة الإسلام جميعا - كغيرهم من المتكلمين والمفكرين - حاولوا هذا التوفيق، سواء منهم من تقدم به الزمن ومن تأخر؛ مع اختلاف في المناهج التي اصطنعوها، والجهود التي خصصوها لبلوغ الغاية المرجوة منهم جميعا، ومع تفاوت في مبلغ ما قدر لهم من نجاح.
جال في هذا الشوط أبو إسحاق الكندي؛ ولذا يؤكد عنه ظهير الدين البيهقي أنه «قد جمع في بعض تصانيفه بين أصول الشرع وأصول المعقولات».
وجال فيه كذلك الحسين بن الفضل الراغب؛ فقد جمع بين الشريعة والحكمة في تصانيفه، وكان يقول: «بين العقل والشرع تظاهر، ويفتقر أحدهما إلى الآخر.»
والفارابي وابن سينا جريا في هذا الشوط أيضا خطوات واسعة، لما رسخ عندهما من أن الحقيقة واحدة، وإن عبر عنها بطرق وأساليب مختلفة؛ فلم يهملا العقل أو الوحي، بل جذبا كلا منهما إلى الآخر.
أما فيلسوف قرطبة، فقد كان مضطرا - لمحو الأثر الذي أحدثه الغزالي بكتابه «تهافت الفلاسفة» أو إضعافه على الأقل - إلى محاولة للتوفيق لها أسسها ودعاماتها؛ محاولة يضع فيها الحدود الواضحة للصلة بين الدين أو الشريعة والحكمة، حتى لا يقوم بينهما بعث عداء أو نزاع.
لقد خصص لهذه الغاية رسالته «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال»، وعرض أيضا لها في كتابه «الكشف عن مناهج الأدلة»، فضلا عن تناولها في مناسبات مختلفة وعديدة في كتابه «تهافت التهافت»، وقد وضع لهذه الغاية طريقا تؤدي في رأيه إليها، ومبادئ وأصولا تقوم عليها، وهي: (1)
الاستدلال بالقرآن على وجوب النظر العقلي والانتفاع بما في تراث الإغريق من خير. (2)
Page inconnue