223

Ibn Rumi : Sa vie à travers ses poèmes

ابن الرومي: حياته من شعره

Genres

ومتى كان فتح باب من الله

توقعت منه إغلاق باب

نعم! مع ما فيه من الإعجاب به والشهادة له بالفهم والبيان، فقد كان قصارى حقه عند صاحبه هذا وعند أصحابه الموسرين جميعا أن يعجبوا به، أو يتعجبوا لفطنته وغرائب أحواله، أو يساجلوه في الشعر مساجلة يظهرون بها قدرتهم على مجاراة شاعر قدير منقطع للشاعرية، أو يسامروه سمرا يلهون فيه بحديثه ونوادره، ثم يستأدوه الثمن غاليا من صبره وماء وجهه، فأما ما وراء ذلك من نفع ومبرة، فليس من حقه عندهم، وليس له منه كما قال إلا نصيب الملائكة أو نصيب الحمير! وما كان واحد من كبار ممدوحيه عاجزا عن إغاثته وإصلاح أمره، وتدبير عمل له يناسبه لو صححوا النية، ولم يساوموه مساومة التاجر الشحيح ليأخذوا منه أكثر مما يعطونه، وليأبوا أن يهبوه ما دام في وسعهم أن يمنعوه؛ ففي قدرتهم كانوا أن يستحضروا النية في إصلاحه، وجبر نقائصه، وتلافي عيوبه، وفي قدرتهم كانوا أن يجدوا سببا واحدا على الأقل يوجب هذا الحق عندهم من باب الوفاء، أو من باب الرحمة، بيد أنهم لم يجدوه ولا حاولوا إيجاده، ووجدوا أسبابا شتى لحرمانه وإهماله، والاعتذار من توجيه الأعمال إليه، واتخاذه للكتابة أو النظر في بعض مرافق الديوان، ونحن نقرأ قوله لأبي سهل الذي تقدم ذكره:

أتزعم أني إن توليت قرية

رأيت ازوراري عن صديقي من الفرض؟

وقوله للقاسم:

أركيكا رأيت عبدك صفرا

لا جنى فيه، أم جنى شنعاء؟

فنفهم جملة هذه العلل التي كانوا يعتلون بها عليه، نفهم أنهم كانوا يكرهون توليته؛ لئلا يستقل عنهم ويعرف له موردا غير موردهم، أو أنهم كانوا يحسبون عليه غراراته ذنبا يحرمه الولاية، كما حرمه العطاء وكفالة الرزق من جراية لا يكدرها المن والتسويف. وهي - ولا مراء - أسباب طبيعية للحرمان في الحياة نفهمها حين نبحث عن سر حرمانه، ولكنها لا تصلح عذرا للمتفضل الذي يريد الإفضال، ولا تعد ميزانا رفيعا للمروءة ومكارم الأخلاق؛ فمن الطبيعي أن يأكل الذئب الحمل، وأن يعبث اللئيم بالغرير، وأن ينهب المحتال مال الطفل اليتيم، والمغتال مال الأعزل الضعيف، إلا أن البون بعيد جدا بين هذه الأسباب الطبيعية في الدنيا وبين معالي الهمم ومكارم الأخلاق، وأن هذا البون البعيد جدا لهو مناط الحمد واللوم والشرف والضعة والفضل والقصور. •••

وكان لفشل ابن الرومي وحرمانه سبب آخر هو فشله وحرمانه.

Page inconnue