126

Ibn Rumi : Sa vie à travers ses poèmes

ابن الرومي: حياته من شعره

Genres

ثم أجدت ضربه ومرسه

ثم أطلت في الإناء حبسه

شربت منه البابلي نفسه

فقال المكتفي: قبحه الله، ما أشرهه! لقد شوقني في هذا اليوم إلى شرب الدوشاب.»

وإنا لنقرأ هذه الأبيات وأمثالها الكثيرة في ديوان ابن الرومي، فيخطر لنا عصره المترف، ويخطر لنا أن الإسهاب في وصف الطعام والشراب لم يكن في ذلك العصر معيبا ولا مخلا بالمروءة؛ لأنه كان عصر الشهوات جميعا، وأولها شهوة المآكل والمشارب، بل كان عصرا يصح أن يسمى بعصر الموائد والولائم؛ لأنها كانت وصلة الاجتماع في الجد واللهو، وملتقى طلاب اللقاء في مواعد الوجبات اليومية وغير مواعدها المألوفة، وكان من مقاييس مروءة الرجل أن ينظر إلى مطعمه في بيته، وبراعة طهاته، ونفقته على أكله؛ فغضب المتوكل على عافية بن شبيب وأقصاه من مجلسه ونفاه إلى البصرة لأنه رأى له طعاما لا يليق بمن يجالس الخليفة وينال صلاته.

ونحن لا نتصفح أخبار المجالس في ذلك العصر إلا صادفنا الحديث عن الولائم والمهارة في إتقانها، والسخاء في النفقة عليها، فربما كان الخليفة وجلساؤه يتواعدون إلى الموعد ومع كل منهم طعامه يتفكهون باستعراض ألوانه، والمقابلة بين صناعاته وطعومه، وكان من تمام ظرف الأديب والنديم أن يحذق شأن الطعام، ويخبر صنعه وما قيل في وصفه، فظهرت في ذلك العصر كتب الأدباء في فن الطهو؛ ككتاب الطبيخ لإبراهيم بن العباس الصولي، وكتاب الطبيخ وكتاب فضائل السكباج لجحظة البرمكي، وخفت مذمة النهم لأنه أصبح كأنه قدرة وعلم وظرف! وكأنه في ذلك كله أقرب إلى الفخر منه إلى الملامة!

يخطر لنا ذلك العصر المترف ونحن نقرأ هذه الأبيات الكثيرة في ديوان ابن الرومي فنسأل أنفسنا: ما نصيب العصر في تلك الأوصاف، وما نصيب الرجل؟ وما حظ العين من لون وشكل، وما حظ المعدة من شبع وامتلاء؟ فمن شاء أن يحسب نهم ابن الرومي على النحو المتقدم بابا من الأدب لا بابا من الشره، فله ذلك وحجته في هذا الحسبان غير ضعيفة! ولكنه هو لا يدعنا نحار في خليقة كهذه الخلائق التي تحكى عنه، ويكون لها دخل في حياته، فإذا تطرق الشك إلى جانب، فلا بد له من جانب آخر يقطع ذلك الشك، ويردك إلى اليقين فيه، ومن شعره المحفوظ ما يروي لك كيف كان يعاب في أكله، وكيف كان رده على من يعيبونه، فتارة يقر بالذنب ويزعم أنه هفوة لا جريمة:

أإن اصطبغت ولقمتي معضوضة

13

أنشأت تهجوني بذلك ظالما؟

Page inconnue