104

Ibn Rumi : Sa vie à travers ses poèmes

ابن الرومي: حياته من شعره

Genres

فها نحن أولاء نكتب سيرة ابن الرومي، ولا نعرف ما الفرق مثلا بين سحنته وسحنة شاعر من شعرائنا الآخرين. نعم، إن ابن الرومي كان كما نعلم سليل أبوة يونانية وأمومة فارسية، ولكن ألم يكن من الجائز أنه كان أقرب إلى ملامح الأمومة منه إلى ملامح الأبوة؟ أو أقرب إلى ملامح الأبوة منه إلى ملامح الأمومة؟ أكان له وجه فارسي أو وجه يوناني، أو وجه رجل فيه مسحة من سمات الشعبين، أو لا مسحة فيه من هؤلاء ولا هؤلاء؟ ما نظن ذلك مما يستغنى عنه في ترجمة شاعر أو صاحب ترجمة كائنا ما كان.

فإذا كنا سنرجع إلى ذخيرتنا التي نعتمد عليها من شعر الشاعر، وإلى القليل من أخباره التي تسربت إلينا، فلا ندحة لنا في هذا الصدد ولا حيلة، وعزاؤنا بعض العزاء أننا قد نهتدي من شعره وأخباره إلى صورة له تعين على تخيله وتمثيله، وإن لم تغن عن صورته الحقيقية ولا عن وصفه الدقيق كل الغناء. •••

كان ابن الرومي صغير الرأس مستدير أعلاه، أبيض الوجه يخالط لونه شحوب في بعض الأحيان وتغير، ساهم النظرة باديا عليه وجوم وحيرة، وكان نحيلا بين العصبية في نحوله، أقرب إلى الطول أو طويلا غير مفرط، كث اللحية، أصلع بادر إليه الصلع والشيب في شبابه، وأدركته الشيخوخة الباكرة فاعتل جسمه وضعف نظره وسمعه، ولم يكن قط قوي البنية في شباب ولا شيخوخة، ولكنه كان يحس القوة اليسيرة في الحين بعد الحين كما يحس غيره العلل والسقام، فكان إذا مشى اختلج في مشيته، ولاح للناظر كأنه يدور على نفسه أو يغربل لاختلال أعصابه واضطراب أعضائه، وكان على حظ من وسامة الطلعة في شبابه، معتدل القسمات، لا يأخذ الناظر بعيب بارز ولا حسنة بارزة في صفحة وجهه. أما في الشيخوخة فقد تبدلت ملامحه وتقوس ظهره ولحق به ما لا بد أن يلحق بمثله من تغيير السقام والهموم. •••

هذه خلاصة الصورة التي استخرجناها من شعر الشاعر وأخباره، وقد كان ينبغي أن نكتفي بها ونقف عندها لو كانت «الترجمة لذاتها» هي الغرض الوحيد من هذا الكتاب، ولكن «الترجمة» ليست هي كل ما نقصد إليه، ولا أهم ما نقصد إليه؛ لأن الطريق المؤدي إلى الترجمة غرض كبير من أغراض الكتاب لا يقل عن بيان الترجمة لذاتها، ووسيلة الوصول إلى النتيجة مطلوبة كالوصول إلى هذه النتيجة، والصيد مقصود هنا كما تقصد المائدة والطعام الذي على المائدة، فمن الواجب علينا أن نبين مكان هذه الترجمة من شعر الرومي، وحاجة الأخبار التي بين أيدينا إلى التكميل من كلامه في وصف نفسه عامدا وغير عامد، وأن نبين كيف أن ديوان شعره قد تجاوز حد الترجمة الباطنية إلى الترجمة التاريخية، لاشتمال وجدان الرجل عليه، وفرط استيعابه لنفسه في شعره، وشدة الامتزاج بين حياته وفنه. •••

فأما أنه كان صغير الرأس مستدير أعلاه، فيؤخذ من رده على من عاب صغر رأسه :

إذ تنقصتني بصعلكة الرأ

س، سفاها واذممت غير ذميم

ما تعديت أن وصفت خشاشا

لوذعيا كالحية المشهوم ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...

وقديما ما جرب الناس قبلي

Page inconnue